الجمعة، ٥ كانون الثاني ٢٠٠٧

الفنأفريقانية: سحر و بهار و موز5 من النيغريتود إالى " النمرتود"

Négritude & Tigritude


النيغريتود و النمرتود


بهار الزنوجة..داكار 1966
في المهرجان العالمي الأول للفنون الزنجية الذي انعقد في داكار1966
، تم اختزال التعدد الواسع للثقافة الأفريقية لبعدها الزنوجي وحده.و قد لعبت الوضعية الخاصة لـمهندس المهرجان، الشاعر الفرانكوفوني " ليوبولد سيدار سنغور" ، بوصفه أحد أعمدة حركة الزنْوَجَة" نيغريتود" ،و رئيس دولة السنغال، لعبت دورا كبيرا في اكساب التظاهرة طابع المناورة السياسية الفرنسية ضمن ملابسات الصراع على الموارد و مناطق النفوذ في اطار الحرب الباردة في أفريقيا، سيما و أن السنغال كبلد أفريقي حديث الاستقلال(1963) كان(ولا يزال) في حالة اعتماد شبه كامل على فرنسا.(راجع نصي المعنون " من اخترع الافارقة؟" المنشور في قسم التشكيل/ الأبحاث و الدراسات في موقع سودان للجميع دوت أورغ)
و اليوم ، رغم انتفاء شروط الحرب الباردة في أفريقياالا أن مفهوم الزنوجة ما زال نشطا في بيزنيس الفنأفريقانية ، غالبا بفضل عدد متزايد من الفنانين الأمريكان السود المتسمين بـالـ " آفروآميريكان"( لاحظ أن لا أحد يسمي الفنانين الامريكان البيض بالـ " أوروأميريكان").هؤلاء الفنانون الأمريكان المتأفرقون بذريعة الدياسبورا المريحة يتصرفون في فضاء الفن الأفريقي المعاصر كما لو كانت الثقافة الأفريقية ميراثا عرقيا يخصهم دون غيرهم.(وكت أصلها الحكاية جابت ليها ملكية تراث ثقافي فنحن أولى بملكية تراث الثقافات كلها الأوروبية و الآسيوية والهندأمريكية و...الأفريقية كمان . و الماعاجبه يشرب من بحور الشعر العربي).و من عواقب حركة الزنوجة( نيغريتود) الآفروأمريكية أنها جددت شباب حركة الزنوجة الافريقية التي كانت قد ضعفت تحت تأثير حركات" البان أفريكانيزم" و بعض تيارات حركة التحرر الأفريقي( عبد الناصر المصري و كوامي نكروما الغاني،و فرانز فانون المارتنيكي،و المهدي بن بركة المغربي، و أميلكار كابرال الغيني بيساوي ،و أوغستينو نيتو الأنغولي الخ)و هي التيارات الأفريقية التقدمية التي طرحت مفاهيما اجتماعية تتجاوز الأفق العرقي الضيق لحركة الزنوجة.أقول أن حركة الزنوجة الآفروأمريكية تجدد شباب التيار الجمالي العرقي ضمن حركة الفن المعاصر في أفريقيا لأنها- و بذريعة حجة عرقية اعتباطية ـ ترمم و تدعّم أرضا مشتركة لجزء من الفنانين الأفارقة( السود) في افريقيا مع الفنانين( السود) في أمريكا و أوروبا، على زعم أن سواد البشرة مبرر كاف لتأسيس قرابة آيديولوجيةو جمالية تبرر تجميع نتاج الأشخاص سود البشرة في فئة واحدة. في هذا المربط العرقي ينتفع القوم بحجة الدياسبورا السوداء، ضمن شروط العولمة التي تطرح أمام الجميع ـ بدون فرز ـ فرص اعادة تعريف الحدود و الهويات، و تنطرح الدياسبورا السوداء كاطار آيديولوجي قمين باكساب فن السود في كل القارات طبيعة متعولمة تسوّغ لسدنة فن الدياسبورا السوداء أن يفبركوا تنويعا جديدا من " حرب الحضارات " بين الفن الاسود و الفن الأبيض أو/ و الفن الأصفر(الآسيوي) و الأحمر( الهند أمريكي) و الأخضر ( الاسلامي) و مافيش حد أحسن من حد.و في هذا المشهد أرى نفرا من الفنانين المعاصرين في أفريقيا لا يجد غضاضة في اعادة اختراع الفن المعاصر كخصوصية ثقافية أفريقية مُزَنْوجَة و مقطوعة تماما من ما يحدث في فضاء تاريخ الفن و تأثيرات حركة المجتمع المعاصر داخل القارة و خارجها.و سأحاول ـ في أجل قريب ـ افراد براح منفصل لمعالجة عودة ظاهرة الزنوجة في فن الأفارقة المعاصر.و في الانتظار أظن أن أقرب مثال تحت اليد يجسده الفنان الغاني المقيم في نيجيريا "إيل آناتسوي"،و الذي قام ـ في المتحف البريطاني 11 فبراير 2005 ـ بعرض شرائح لأعماله و علق عليها و رد على أسئلة الجمهور.و "الاناتسوي" من بين الفنانين المشاركين في معرض آفريكا ريميكس.

(لمزيد من المعلومات عن "إيل آناتسوي "أنظرموقع أكتوبر غاليري اللندنية التي تخصصت منذ أكثر من عقدين في عرض الفن الأفريقي
www.octobergallery.co.uk/artists/anatsui/index.shtml
و أنظر أيضا
www.camwood.org/pguest1.htm-5k

www.ethnicarts.org/elanatsui
وفي حديثه الذي دام ساعة كاملة سرد "اناتسوي" سيرته الذاتية و شرح تجاربه الفنية دون أن يشير من قريب أو من بعيد للمصادر أو للتأثيرات الوافدة من حركة الفن الأوروبي على عمله.و رغم أن أي مشاهد عارف بأبجديات تاريخ الفن الحديث يملك أن يلمس التأثيرات القوية للقيّات حركة الفن الأوروبي الحديث في عمل" اناتسوي" الا أن الرجل صمت بشكل مريب عن أي اشارة للتيارات التي تركت بصماتها على عمله مثل " ريدي ميد"
Ready Made
الفنان الدادائي الفرنسي " مارسيل دو شان" يالذات حين تحدث عن استحوازه لركام من جذوع الاشجار داخل غابة بمجرد وضع علامة بصرية على كل جذع. أو "تجميعات" بيكاسو النحتية
Assemblage
التي تطبع جزءا كبيرا من أعمال النحت التجميعي التي عرضها
أو لقيات حركة فناني" البوب آرت" الأمريكان و الأوروبيين ، و بالذات في منحوتات الفرنسي " آرمان" " التراكمية"
Sculpture Accumulative
أو استخدام الفنانين الايطاليين للخامات الطبيعية العضوية ضمن تيار" آرتي بوفيرا"
Arte Povera
(الفن الفقير) الذي ازدهر في الستينات و السبعينات

و غير ذلك كثير مما تعامى الاناتسوي عن رؤيته، فكأن فنه ولد بعفوية من فطرة التقليد المحلي الامي ، تقليد فنون الاسلاف الذين لا تشوبهم شائبة ثقافية أوروبية.المشكلة هي أن "اناتسوي" شخص معاصر تعلم الفن الحديث بشكل نظامي،( دبلوم نحت في مدرسة الفنون بجامعة كوماسي 1968)، و هو مثل أغلبنا، تدرب حسب مناهج مدارس الفنون الحديثة التي تعمل وفق برامج تعليم الفنون في أوروبا، " من طقطق للسلام عليكم".و " طقطق" هذه، تبدأ في فنون" ماقبل التاريخ" ثم فنون تاريخ" العصر الانطيقي" و فنون "العصور الوسطى" يليها "عصر النهضة" و" العصر الكلاسيكية" و انتهاءا بـ " السلام عليكم " في " الفن الحديث"، فن حداثة المجتمع الرأسمالي الذي ابتدره الأوروبيون ثم فلت من قبضتهم ـ لحسن حظنا ـ و صارحقا مشاعا مبذولا لمن يستطيع اليه سبيلا (" و لو كان عبدا حبشيا" أو سودانيا أو سنغاليا أو مغربيا أو مصريا أو هنديا أو صينيا أو غيره ) من عبيد حداثة رأس المال على اختلاف القارات والأعراق .فما الذي يجعل"اناتسوي"، المحاضر الجامعي( رئيس شعبة النحت في جامعة نسوكا بنيجيريا) و الفنان المثقف العارف بتاريخ الفن الحديث، ما الذي يجعله يتعامى عن تداخل التأثيرات و المصادر و المراجع الأوروبية مع عمله الفني في فضاء الفن المعاصر؟
حسب " سوء ظني العريض" ـ و قد أسلفت أن الظن الآثم مشروع و مطلوب عند تمحيص أمور الفنأفريقانية ـ أقول: أظن أن " أناتسوي" يتعامى عامدا من باب الاستجابة لمطالب مؤسسات رعاية الفنأفريقانية التي عوّلت تماما (و" قفلت") على فرضية أن الفن الأفريقي المتزنوج هو" صفقة الغد"
The Business of tomorrow
حسب عبارة سمعتها من أحد منظمي المعارض الألمان مؤخرا.

و تعامي " أناتسوي "،و غيره من الفنانين الأفارقة،عن تأثير المصادر الفنية الأوروبية يسوّغ لرعاة الفنأفرقانية أن يبذلوا لقيات الفنانين الافارقة كاكتشافات عبقرية معزولة و غيرمسبوقة.و كلقيّات تمثل نوعا من قفزة نوعية فريدة في تاريخ الفن، شيء في جسامة اختراع العجلة أو النظرية النسبية.و هذا ضلال مقصود ينتفع به رعاة الفنأفريقانية في طرح الفن الأفريقي المعاصر كظاهرة تتطور على قطيعة كاملة مع معطيات العالم المعاصر، كشيء فريد ، نسيج وحده،و كوجه من وجوه السحر الأفريقي الذي لا يطاله منطق التاريخ.و لا عجب ، فان كان الرعاة الأوروبيون ينظرون لأفريقيا ككيان مشاتر مستعص على التاريخ ، فمن باب أولى أن فن الأفارقة الذي يتصورونه ،هو في واد آخر غير ذلك الذي يجري فيه الـ " ماين ستريم آرت"
Mainstream Art
حسب مجرى التعبير الأوروبي عن الفن الرسمي، الفن المنسوب للتقليد الأوروبي.
تقول حكمة الأهالي ( في مثل من اختراعي) "أن الورل الأعور يقدل كما الملك في بلد التماسيح العمايا".بيد أن المشكلة مع الفنانين الأفارقة الذين يسعون لاعادة اختراع العجلة هي أن التماسيح اياها بعيدة عن العمى، بل هي مفتّحة عيونها تقرأ و تشاهد كل ما يجود به تاريخ الفن القديم و الحديث من أفكار و تصاوير في كل ناحية من نواحي الكرة الأرضية.يعني بالعربي: تاريخ الفن مكتوب و موثّق في متناول الجميع ، و ما من لقية تشكيلية أو فكرة جمالية الاّ ووراءها شجرة عائلة بحالها من الفنانين و النقاد الذين ساهموا في دفعها والذين لا تفوت عليهم شاردة أو واردة الا أحصوها. و اليوم ،اذا كان هناك بين الفنانين الأفارقة من يملك الانخراط ـ عن جهل ـ في وهم الفن الأفريقي المتحقق خارج التاريخ، فهو معذور حتى يتعلم، أما ان كان الفنان الأفريقي ينخرط في الأكذوبة الفنأفريقانية عن سبق القصد و الترصد لأنه وجد فيها مصلحة شخصية ضيقة فالرماد كال حمّاد.
أقول قولي هذا و أنا على قناعة من أن فنان جاد من طينة" أناتسوي" يخسر كثيرا من اخفاء مصادره و مراجعه الأوروبية، و هو يخسر موقعه كفنان معاصر ضالع بتاريخه و بهمومه الأفريقية و بكليته الانسانية في حركة الخلق المعاصر مثلما يخسر صفته كشريك كامل الشراكة و كند أصيل ، ضمن رهط الرجال و النساء المهمومين بتغيير العالم بابداعهم في حال حركتهم و في حال سكونهم.ذلك أن حركة الخلق المعاصر لم تكن يوما ناديا خاصا مغلقا على أعضاءه من ذوي الامتياز الأوروبي الموروث،و لن تصبح أبدا "فرض كفاية" يقوم به البعض فيسقط عن الباقين. حركة الخلق المعاصر هي مشروع حياة أو/و موت المساهمة فيه حق مفتوح و واجب مفروض على الجميع.
أكرر:في ما وراء غشاء الفنأفريقانية المضروب على الرجل، فأناتسوي فنان مهم في مشهد حركة الفن المعاصر ، و عمله الابداعي لم يخرج من طيات كم الساحر الأفريقي
الذي يتوسّمه فيه متعهدو الفنأفريقانية ، و انما هو نتيجة تجربة بحثية طويلة و غنية بمعارف تقنية و جمالية تتجاوز حدود الميراث الأفريقي المزعوم.و الروابط الجمالية والمراجع التقنية التي تربط بين مبحث " اناتسوي" النحتي و مباحث الفنانين الأعلام في حركة الفن الحديث، تبدو لي أكثر أهمية من الروابط و المراجع التي قد تربط عمل" اناتسوي" بتقليد فن النحت الغربأفريقي.أن علاقة القربى الجمالية بين عمل" اناتسوي" و تقليد النحت الأوروبي الحديث انما تنطرح كأمر بديهي يستحيل تمويهه على هواة النحت،ناهيك عن الجور الواقع على الفنان من جراء غمط اضافته الأصيلة لحركة النحت المعاصر.
ان التأكيد على المراجع و التأثيرات الجمالية الأوروبية في عمل "أناتسوي" انما يكشف عن حيوية الحداثة الثقافية الأفريقية التي خرج من تلافيفها رجل كـ "أناتسوي"، فنان واسع الحيلة و قمين بامتصاص تجارب الآخرين و تقاليدهم و تمثلها و اعادة انتاجها في شكل آثار فنية على فرادة ابداعية كبيرة.
أقفل قوس الاستدراك في شأن "أناتسوي" هنا ، على أمل العودة ـ ضمن براح آجل ـ لموضوع الفنأفريقانية كعقبة كأداء أمام تفتح الفنانين الأفارقة في مشهد الفن المعاصر.


و بُهار الاستنمار..لاغوس 1976

مهرجان الثقافة الأفريقية( فيستاك)
FESTAC
، الذي نظمته السلطات النيجيرية في لاغوس عام 1976 ، كان مناسبة طيبة للتعبير عن الروح الـ " كل أفريقاني"
Panafricanism
الذي انتظم المجتمعات الأفريقية في سنوات ما بعد" الاستقلالات" الأفريقية. و أهمية مهرجان " فيستاك" النيجيري تأتي من كونه تم ضمن ظروف جيوبوليتيكية بالغة التركيب، و بالذات بعد " مهرجان الثقافة الكل أفريقية"(بان أفريكانيزم) 1969 الذي نظمته دولة الجزائر حديثة الاستقلال، و التي بدأت تتحرك دوليا، على وعي جيوبوليتيكيي بتداخل أدوارها العربية و الأفريقية،ضمن منظومة مجتمعات العالم الثالث المعادية للامبريالية.و قد شدد الجزائريون على البعد ال" كل أفريقاني" كنوع من اشارة معارضة لـ " المهرجان العالمي للفنون الزنجية و السوداء" الذي نظمه السنغال بتوجيه فرنسي ظاهر كتظاهرة تخص ثقافات الافارقة السود.و لم يقتصر توجه مهرجان الجزائر على نقد سدنة حركة الزنوجة " نيغريتود" باعتبارهم ممثلين لايديولوجيا عرقية و نيوكولونيالية، كما عبّر بقوة ، على منصة منتدى المهرجان، سياسيون أفارقة من وزن الرئيس " سيكوتوري" ،المعروف بمعارضته للهيمنة النيوكولونيالية لفرنسا في بلدان غرب أفريقيا الناطقة بالفرنسية،و الذي وجد في الجزائر المستقلة سندا معنويا و مخرجا من العزلة السياسية الاقليمية التي ضربتها فرنسا على مالي. وجاراه و تضامن معه، مثقفون أفارقة كـالفيلسوف "ستانيسلاس أدوتوفي" الذي يعتبر من أهم نقّاد حركة الزنوجة " نيغريتود".و يمكن القول أن توجّه المهرجان تجاوز أقاليم الفن و الادب ليجعل من التظاهرة الثقافية ملتقى خصيبا للثوريين و قادة حركات التحرر من البلدان الأفريقية و غير الأفريقية. ففي هذا المهرجان التقى ممثلون لحركات التحرر في البلدان الأفريقية التي كانت ما تزال ترزح تحت نير الاستعمار كـ " غينيا بيساو " ( أميلكار كابرال) و " أنجولا" ( أوغستينو نيتو) وممثلين لـ "حزب المؤتمر الوطني الأفريقي"( آفريكان ناشيونال كونغرس) الذين كانوا يخوضون نضالهم ضد نظام" الأبارتايد" في جنوب أفريقيا.بل أن الحضور التحرري المعارض للامبريالية شمل حتى ممثلين من حركة " الفهود السود" الأمريكية التي حملت السلاح ضد السلطات العنصرية البيضاء في الولايات المتحدة و وجد بعض قادتها اللجوء السياسي في الجزائر( ستوكلي كارمايكل).
كل هذه الملابسات التي صاحبت مهرجان الجزائر كان لا بد لها من أن تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على التصوّر الذي عرّفه النيجيريون لمهرجان 1976 .و قد ترتب على تنظيم النيجيريين لمهرجان الثقافة الأفريقية انفجار أزمة دبلوماسية و مفهومية بين نيجيريا و السنغال.ذلك أن النيجيريين انطلقوا من واقع التعدد العرقي و الثقافي لأهل القارة في تعريف الثقافة الأفريقية كشأن يخص كل أهل القارة، بما فيهم عرب شمال أفريقيا. لكن السلطات السنغالية ، التي كانت قد صمّمت المهرجان الأول للثقافة الأفريقية بالتأكيد على صفات السواد و الزنوجة ، اعتبرت أن النيجيريين قد خانوا مبادئ الثقافة الأفريقية كما طرحها مهرجان داكار في 1966.و في الحقيقة كان النزاع المفهومي حول تعريف الثقافة الأفريقية يموّه أزمة سياسيا عميقة بين نيجيريا و السنغال.فأثناء الحرب الأهلية النيجيرية بين الحكومة المركزية و الانفصاليين في" بيافرا"، كانت فرنسا تدعم انفصاليي بيافرا، من خلال حلفاءها الاقليميين في غرب أفريقيا( السنغال و ساحل العاج)، و ذلك على أمل وضع يدها على الثروة البترولية الوفيرة في بيافرا.و من الجهة الأخرى وجدت نيجيريا سندا سياسيا و عسكريا من بريطانيا و العالم الأنغلوساكسوني و بعض الدول الافريقية التي تضامنت مع النيجيريين باسم ال" كل أفريقانية" بما مكن السلطات المركزية من سحق الانفصاليين و تأمين أقليم البترول و صيانة الوحدة الوطنية.
(أنظر ف. إكس. فيرشاف " لا فرانس آفريك") .
و رغم أن نقد حركة الـ " نيغريتود"، أصبح ، ضمن تلك الملابسات ، أدبا شائعا مباحا بين الأفارقة، الا أن ذلك النقد بقي نقدا سياسيا يدحض " النيغريتود" كنوع من مناورة سياسية تتذرع بذرائع الادب الأفريقي و الفن الافريقي لخدمة الأجندة السرية للنيوكولونيالية. و لم يترتب علي نقد الـ " نيغريتود" عمليا أية تحولات نوعية مهمة على صعيد النتاج الابداعي للفنانين و الادباء الافارقة . ذلك أن جل الفنانين و الادباء الافارقة ظلوا مقيمين على احتفاءهم الفيتيشي بالروح الافريقي المتميز، الذي يفترض أنه يكسب ابداع الافارقة خصوصيته و أصالته بين أبداعات الامم الاخرى ،و يبرر الأدب الافريقي و الفن الافريقي كتصانيف مميزة لا يمكن أن تصدر الا عن " طبيعة أفريقية"..فكأننا و الماء من حولنا قوم جلوس حولها الماء.و لعل أفضل مثال على هذه الوضعية الفنأفريقانية العجيبة يتلخص في القولة الشهيرة التي أطلقها الكاتب النيجيري الـ " كل أفريقاني " المعروف " وول سوينكا". يوم قال مستشهدا بمثل أفريقي مزعوم :" أن النمر لا يحتاج أن يصرخ معلنا عن هويته ليعرّف الأخرين بأنه النمر، فحسبه انه ينقض على فريسته"، و هي قولة تأيقنت ـ في معني انمسخت أيقونة ـ بفعل الاقتطافات المتكررة وصار نقاد حركة" النيغريتود" ينتقعون بها كما التميمة لابطال مفعول الايقونات العرقية المضادة في ساحة حرب الهويولوجيا المعاصرة.و كلمة " سوينكا" مهمة كونها تنقل المناقشة في موضوعة الهوية الأفريقية من مشهد الافريقي الواقف موقف الضحية،و الذي يستجدي الآخرين أن يعترفوا بهويته الافريقية المصادرة، الى مشهد الافريقي " العارف عزّه"و " مستريح" في أفريقيته الطبيعية المودعة في دخيلته بشكل فطري لا سبيل لمصادرته أو نفيه. و رغما عن أن هذا الموقف ،موقف الافريقي الواثق من هويته. الأفريقي الذي يكون هويته الافريقية كما يكون الحيوان هويته الحيوانية، هو بلا شك أكثر أناقة و أكبر كفاءة من موقف المطالبة و الصياح أمام الجهات التي لم و لن تأبه بالأفارقة يوما، الا أن قولة الأديب النيجيري ضايقتني ، و ما زالت ، منذ أول مرة قرأتها فيها.أولا لأن النمر حيوان آسيوي لا مكان له في السافانا الأفريقية ، و أظن أن المثل المشهود صيني المصدر.
ترى هل كان الامر سيستقيم لو كان " شنوا آشيبي " مسخ النمر أسدا ؟ مندري .. لكن كون " شنوا آشيبي"، بسبيل الدفاع عن الأصالة الثقافية الافريقية، يضطر لطلب حججه " و لو في الصين "، فهذا الموقف يفسد عليه الاناقة البادية في مقولة الأصالة الثقافية الافريقية التي تبني حكمتها على صورة الحيوانات المستوردة من ثقافات أجنبية. لكن" دا كلُّه كوم.." و حكاية الانقضاض الفوري على الفريسة دي "كوم تاني" .ذلك أنها تلخص الأفريقي ككائن يتصرف وفق نوع من غريزة حيوانية طبيعية مودعة في دخيلته،و سلوكه فطري لا يعرف التحسّب و الرويّة العقلانية التي تسبق الفعل.و هكذا يرسم " شنوا آشيبي" للشخص الافريقي مصيرا سلوكيا يرده الى مصاف الحيوان. و هو مصير تعس حتى و لو كان الحيوان المصطفى في نبل النمر و في جماله. يبدو أن الكاتب النيجيري الكبير، الحائز على جائزة" نوبل" للآداب ـ و بذريعة أفريقيا كمان ـ يستكثر على الانسان الافريقي شرط الانسان ككائن خلاق سلاحه خياله.شرط " ود ابن آدم الغلّب الهدّاي"، كما عبرت شاعرة كردفانية مجهولة، في مدح القائد المهدوي " محمود ود أحمد".قالوا أن الشاعرة " الحكامة" بدأت قصيدتها في مدح " محمود ود أحمد" عقب سلسلة من الشعراء الذين وصفوا محمود بالدود و الباحش و الفيل والجاموس " تور الخلا الرّغاي" الخ.فأتت هي بالقول الفصل في طبيعة " ود ابن آدم" ككائن فريد لا يقبل المقارنة مع أصناف الحيوان و لا حتى مع أصناف الانسان الاخرى.
لقد أراد الكاتب النيجيري الكبير انقاذ الافارقة من مصير الأكل على بهار الزنوجة
" نيغريتود" ،فبهّرهم ببهار جديد اسميه بهار الاستنمار " تيغريتود"
و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
و سأحاول في السطور القادمة التأني عند بهار قديم آخر جدّده الرعاة الاوروبيون و نثروه علينا في واحدة من محاولاتهم الشتراء التي لا تنتهي حتى تبدأ من جديد و هكذا " دواليبك".
...........

النور يا أخانا الذي في الولايات
و ما الزنافلة؟
الزنافلة
هذه و الله واحدة من الكلمات السحريات التي لا تني تلهمني صورا عجيبة متغيرة لقوم خرافيين نجوا من إرم ذات العماد و جابوا الصخر بالواد وقاموا و سافروا و تاهوا و استرزقوا في جيش قمبيز الذي أشيع أنه نفق في الصحراء، و نفد منه فصيل من رماة المقاليع الزنافلة من مسارب الصحراء السرية الى سهل الجزيرة ( في غفلة من صاحب" بندر شاه") و تناسلوا وتكاثروا حتى احتلوا الخاطر و استعمروه تماما في حكاية خالك المشهودة ، و أنا ما زلت في حيرة من أمرهم.أذكر أنني فتحت قاموس اللهجة العامية في السودان فوجدت عون الشريف قاسم يعرفهم بكونهم " فرع من رفاعة" ،فأدركني احباط عظيم، فبمثل هذا الاسم الاسطوري لا بد أن للزنافلة حكاية أطول من مجرد احالتهم هكذا لـ " رفاعة "..
و ما رفاعة حتى يحال اليهاهؤلاء الزنافلة الأماجد ؟؟
النور يا أخانا
الذاكرة كما ترى انتقائية و آيديولوجية و خائنة وو براغماتية ومغرضة غرضا يتجاوز الارادة الواعية و لن تنفع معها الا مكيدة كبيرة، و مازلت أطمع في أن تبرنا ببقية تلك الابيات الشعرية المدهشة التي حفظتها لك ذاكرة بولا من أيام الطلب، و أحلتها أنت ل" شغل الشباب" كما قال" شاعرنا" و هو يتملص من تبعات "أمتي".المهم يازول ، نحن كلنا على ثقة من ان " البعشوم مابوالف" و للكلام صلة ، و قيل صلات، فصبرك يا صاح ، و سلام.
حسن

الفنأفريقانية،سحر و بهار و موز4: الموزة الثالثة

الموزة الثالثة

بعد انهيار حائط برلين صار في وسع أهل برلين الشرقية أن يذهبوا للجزء الغربي من مدينتهم بلا صعوبة. وقالوا أن أهل الشرقية اندفعوا نحو أسواق برلين الغربية في فضول استهلاكي كبير ليروا بأعينهم و ليلمسوا بأيديهم و ليقتنوا بمالهم الجديد ، مال العون الاجتماعي الغربي، ما يستطيعون اليه سبيلا من سلع المجتمع الاستهلاكي التي طالما هجست خواطرهم أيام الحرب الباردة.
قالوا أن الفقراء اندفعوا يشترون الفواكه الاكزوتية التي كانوا يرونها على شاشات البروباغاندا الرأسمالية، و التي لم يكن تقشف النظام الاشتراكي يسمح لهم بتذوقها.قالوا أن الموز كان الفاكهة الاجنبية الاكثر استقطابا لنهم الشرقيين الافتراسي المتفتّح ضمن ألمانيا الموحدة، فكان الواحد منهم يبدأ يومه بموزة في الصباح و موزة بعد الغداء و موزة قبل النوم و الله أعلم.
قالوا أن رجلا ألمانيامن الشرق، في حوالي عقده الخامس،( عمر التجربة الاشتراكية الألمانية) ، دخل برلين الغربية أول مرة فسارع و اشترى كيلو من الموز، ثم استقر على كنبة في حديقة عامة و هو يمنّي النفس بكل الملذات التي حرمه منها النظام الاشتراكي البيروقراطي.
قالوا أن الرجل السعيد أخرج عنقود الموز و أخذ منه موزة و قشّرها بعناية ثم أخرج قنينة ملاّحة صغيرة و جعل يهزّها حتى انتشر الملح على الموزة بما يكفي.بعدها فتح الرجل فاه و قضم قضمة من الموزة و أخذ يمضغها و الفضول في عينيه.و بسرعة غطى وجهه تعبير من الامتعاض و فبصق ما في فمه بقوة و أخذ منديلا و مسح فمه في ضيق ظاهر.
سكن الرجل لدقائق و أخذ موزة ثانية و قشّرها بنفس العناية السابقة و أخذ ينظر اليها متأملا قبل أن يأخذ قنينة الفلفل و يهزها فوق الموزة.و ما ان انتهت العملية حتى دفع الرجل بالموزة في فيه و قضم منها قضمة كبيرة و بدأ يمضغها و في عينيه فضول جديد.و لم تمض ثوان حتى تقلص وجهه من الاشمئزاز فبصق مرات و مرات و تمضمض و نفث و زفر و الفلفل يلهب لسانه.
قالوا أن صاحبنا أخذ يتأمل في عنقود الموز الباقي و خاطره عامر بأكثر من سؤال في أمر هذه الفاكهة الغريبة التي طالما سكنت هواجسه في سنوات الحرمان الاشتراكي.و بعد تفكير استقر أمر الرجل على أن يمنح نفسه فرصة أخرى.فنظر الى حزمة الموز و اختار منها أكبرها، و قشّرها ثم أخرج من جيبه قنينة الخردل ودلق بعضا من محتواها الاصفر على الموزة و توكل و قضم قضمة و هو يمنّي النفس بحل سعيد لمعادلة الموز العويصة.قالوا أن الرجل ما كاد يشرع في مضغ الموزة المخردلة حتى صعد الخردل الحارق في خياشيمه فسال دمعه و شهق و عطس قبل أن يقذق ما في فمه كمن كان يمضغ جمرا أحمرا كريه الطعم.
قالوا أن الرجل بقي زمنا يتأمل في الموز الماثل أمامه قبل أن يحمل كيس الموز في حزم ظاهر ويرمي به في القمامة و هو يدمدم في غضب:
" دي بانان است نيشت قوت
Die banane ist nicht gut !

ان عولمة السوق الثقافي تبذل للأوروبيين فرصة التمتع بكافة منتجات العالم الثقافية( بما فيها الموز).و منظمو معارض الفن غير الأوروبي في بلدان أوروبا و شمال أمريكا صاروا، اليوم ، على يقين تام من بأسهم المادي و الاعلامي الكبير، و من قدرتهم على التصرف في منتجات الفن غير الأوروبي، التي توجد في عهدتهم ، بتدابير معارضيةو متاحفية عالية الكفاءة، بما يضمن لهم توجيه المعروضات بما يوافق الأجندة السياسية و الاقتصادية لرعاتهم.و أجندة رعاة الفنأفريقانية بسيطة ـ بل بدائية ـ تتلخص في الانتفاع بالتظاهرات الثقافية و الفنية من مهرجانات ومواسم و بيناليات الخ في تمويه واقع علاقة القهر و الهيمنة و الافتراس التي تؤمن لمجتمعات أوروبا و شمال أمريكا حظواتهم المذنبة ، سواء على الصعيد المادي (الأفارقة يصدرون المواد الخام و البترول و المعادن و المنتجات الزراعية للأوروبيين ويستقبلون منتجات البلدان الصناعية في أسواقهم) أو على الصعيد الرمزي(أفريقيا هي المشهد المثالي لعرض تجليات الرسالة التحديثية الانسانية و تعبيرات أعمال البر النصراني لاطعام الجوعى و انقاذ الأطفال والأفيال و هلمجرا).
و حين أتحدث عن رعاة الفنأفريقانية ، فأنا أعني هؤلاء الرجال و النساء البواسل الذين لا يراودهم أدنى شك في كونهم ضالعين في مشروع ثقافي و انساني كبير.بل و فيهم من يفخرو يتبجح بالدعم الذي يبذله للثقافة الأفريقية و للقارة بحالها ، على صورة " تيري ديماريست" رئيس مجلس الادارة و المدير العام لشركة" توتال " الفرنسية التي تكفلت بالنفقات المادية لمعرض آفريكا ريميكس في باريس.يقول "تيري ديماريست" في المقدمة القصيرة التي تتصدر الكتالوج الفرنسي لمعرض" آفريكا ريميكس" و المعنونة:
" توتال ترعى معرض آفريكا ريميكس
تحتل توتال المركز الرابع بين كبريات شركات البترول العالمية. و قد عرفت شركة توتال بالتزامها القوي و القديم تجاه أفريقيا ،و هو التزام يمتد لأكثر من ستين عاما. و قد تجذر حضور توتال في أكثر من أربعين بلدا أفريقيا، و ذلك في مجالات تنقيب و انتاج و توزيع البترول.وغني عن الذكر أن على الشركة معرفة و تفهم المجتمعات التي تستقبلها و أن تكون على انتباه لخصوصياتها الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية.أن أفريقيا قارة مركبة ، متعددة الوجوه والمفاجآت.و قد تمكنت توتال من بناء قواعد صلبة و تأسيس علاقات ثقة في أفريقيا، بفضل الحوار و الاحترام و تفهّم السكان، في المناطق التي تعمل فيها الشركة".."
و من خلال الدعم الذي تقدمه لمعرض آفريكا ريميكس في مركز جورج بومبيدو، تطمح توتال أن تعبر عن ارتباطها بالقارة الأفريقية، و أنتتيح للجميع فرصة اكتشاف الابداعية و الحيوية الفنية المعاصرة لفنانيها."
( انظر كتالوج معرض أفريكا ريميكس في باريس
Africa remix, L’ art contemporain d’ un continent, Centre Georges Pompidou, 25 mai au 8 août 2005, Catalogue de l’ exposition, P. 6)

و سأحاول في السطور القليلة القادمة تسليط بعض الضوء على توتال بوصفها حالةتستحق التأني بين نماذج الرعاية التي يبذلها الاوروبيون و الشمال أمريكيون لفنون الأفارقة.
فماذا تمثل توتال في المشهد الفرنسي الأفريقي؟
و حين أقول " المشهد الفرنسي الأفريقي" فعبارتي تغطي ذلك الجزء من أفريقيا الواقع تحت تأثير النفوذ الفرنسي بصورة أو بأخرى.و قد سك الباحث الفرنسي الأفريقاني فرانسوا اكزافيي فيرشاف عبارة " لا فرانسأفريك"( يمكن ترجمتها في، صيغة الاضافة، بعبارة " فرنساأفريقيا " أو " أفريقيا فرنسا") التي استقرت في الاستخدام الفرنسي كتعبير عن تركيب علاقة الجيوبوليتيك المميزة بين القيادة السياسية الفرنسية والسلطات الأفريقية.و لفيرشاف كتاب قيم عنوانه " لا فرانسأفريك ، أطول فضائح الجمهورية"يعتبر من أميز الدراسات النقدية الفرنسية في موضوع جيوبوليتيك أفريقيا الفرنسية
Francoi-Xavier VERSCHAVE, La Françafrique, le plus long scandale de la République, Editions Stock, 1998.
.و سأحاول تقديم عرض لكتاب فيرشاف في براح مستقل كونه يساعد في عقلنة بعض أوجه السياسة الأفريقية التي تمسنا وبلادنا في علاقة جوار و تداخل ثقافي و سياسي و عرقي مع بلدان أفريقية متأثرة بتحولات السياسة الفرنسية.و يتعرض فيرشاف بتفصيل للدور الذي لعبته و تلعبه شركات البترول الفرنسية توتال و الف في ساحة الصراع السياسي الأفريقي.
المهم يازول ، حتى لا ننسى سؤال توتال فسنكتفي هنا بمقتطف موجز من وثيقة نشرتها جمعية سيرفي (البقاء) التي ينشط أعضاءهافي موضوع العلاقة بين فرنسا و أفريقيا ،
www.survie-france.org
و هي جمعية فرنسية ، لا ربحية ، تعمل من أجل الديموقراطية و التنمية في البلدان الافريقية.و تعرف الوثيقة " توتال"باعتبارها الواجهة المقبولة التي تخفي وراء براءتها التجارية كل الرذائل السياسيةلشركة " إلف"، التي " شالت وش القباحة " في أفريقيا و استنفذته تماما لصالح الامبريالية الفرنسية.تقول وثيقة جمعية سيرفي:
"تعتبر شركة " إلف" للبترول من أهم المشاريع الاقتصادية للدولة الفرنسية بعد تحرير فرنسا في1945 ، كونه مشروع ذو تبعات سياسية ، لأنه يتعلق بتأمين الاستقلال الفرنسي على صعيد مصادر الطاقة ( النفطية و النووية). و قد كان" بيير غيوما"، رجل المخابرات الفرنسية ذي التوجه الديغولي،من أول مؤسسي شركة"إلف" للبترول.و حين عاد" ديغول " للسلطة في عام 1958، كان يحتاج لأداة بترولية أكثر مرونة من " الشركة الفرنسية للبترول"( و التي أصبحت " شركة توتال " لاحقا).فأسس شركة "إلف" في 1967 ، و عين "غيوما " رئيسا لها.و لكن " إلف "لم يكن المقصود منها أن تكون مجرد شركة بترولية عادية. لأنها أصبحت واجهة رئيسية لحركة جهاز المخابرات الفرنسية في أفريقيا.فقد كان بين موظفيها بضعة مئات من ضباط جهاز الاستحبارات الفرنسية ، و مولت العديد من المحاولات الانقلابية الأفريقية للمرتزق الفرنسي بوب دينار، و اشترت العديد من المعارضين السياسيين للدكتاتوريات الأفريقية، و ساهمت بشكل رئيسي في صيانة الهيمنة السياسية الفرنسية على المستعمرات الفرنسية السابقة.مثلما ساعدت على تنفيذ جملة من الأعمال المشينة للجمهورية الفرنسية في البلدان الأفريقية، و ذلك تحت اشراف مسؤولين سياسيين فرنسيين كـ " فوكار"( رئيس الجهاز السري العامل في أفريقيا الفرنسية المعروف بـ{ مسيو أفريك} أيام ديغول و بومبيدو) و " باسكوا"( و زير الداخلية اليميني القريب من المتطرفين اليمينيين) و " شيراك"( رئيس الوزراء الفرنسي الديغولي السابق و رئيس الجمهورية الحالي). و سجل مناقب "إلف" عامر بأعمال متنوعة بين الانقلابات و تمويل التزوير الانتخابي و اثارة الحروب الأهلية ( نيجيريا، أنجولا ، الكونغو برازافيل، تشاد الخ). و في بلدان مثل الغابون و الكونغو و الكاميرون فشركة "إلف" هي التي تسيّر شؤون السياسة الفرنسية و تسهر على استمرارية علاقة الـ " فرانسأفريك".و بعد أن طفح الكيل بتواتر فضائح "إلف" في أفريقيا بالذات بعد القضية الكبرى التي تعرف في الاعلام الفرنسي بـ " قضية الف""
L’ affaire Elf
حيث تم تقديم عدد كبير من المسؤولين السياسيين و العاملين في " إلف" للمحاكمة بتهم متنوعة بين أفساد السياسيين الفرنسيين لصفقات بيع الأسلحة غير المشروعة للتلاعب في الأموال العامة." و فضيحة الف و ما تلاها من محاكمات كشفت أمام الجمهور الفرنسي عن الأساليب التي كانت تستخدمها الشركة في افساد السياسيين.و ترتب على هذا الواقع أن الدولة الفرنسية قررت أن تستبدل اسم "إلف" باسم جديد نظيف ، فنظمت عملية استيعاب شركة " إلف" داخل جسم شركة " توتال" و انمسخت إلف في شكل " توتال" لكن جمهور الاخصائيين الالفيين اياهم مازالوا في مواقعهم"
Les Dictateurs, amis de la France ?
Document de SURVIE, 2005-10-25 www.survie-france.org

و لو أعدنا قراءة مقدمة " تيري ديماريست" على أساس الاضاءة التي توفرها وثائق محاكمة "إلف" لوجدنا أن عبارات تيري ديماريست، المدير العام الحالي لتوتال، لا تدل على نفس الشيء في خاطر الأفارقة الذين يرون ثروات بلادهم تتعرض للنهب بمباركة الزعماء الأفارقة و بطانتهم من " سادة أفريقيا الجدد"، و لات من يقول " البغلة في الابريق".ففي المحاكمات الأخيرة التي تلت " فضيحة إلف" عرف الجمهور الفرنسي ( و الأفريقي) أن رجال" إلف" كانوا وراء الحرب الأهلية في الكونغو برازافيل، بل أن "إلف" كانت تمول كل الأطراف المتقاتلة في نفس الوقت، و هي حرب راح ضحيتها أكثر من
مئتي ألف شخص. و قد اعترف " لويك لوفلوش- بريجون"، رئيس " إلف" الأسبق ( بين 1989 و 1993 )، و الذي أدانه القضاء الفرنسي بتهمة الفساد وسرقة المال العام،اعترف في كتابه" قضية إلف ، قضية دولة"، بأن" دولة الكونغو كانت تحت سيطرة شركة إلف".
F .x. Verschave, Noir Silence, Les Arènes.
L. Le Floch-Prigent, Affaire Elf, Affaire d’ Etat,Galimard,2001.
أقفل أقواس الاستطراد في موضوع "إلف/ توتال" هنا و أعود لحديثنا في صدد الرعاة الأوروبيين للفنأفريقانية المعاصرة.حفنة من الرجال و النساء الناشطين في المؤسسات الحكومية و الأهلية، يربطها و يوجه خياراتها، بالنسبة لدعم انواع التعبير الفني في أنحاء القارة ، ميثاق بعضه مكتوب، و بعضه مضمر ،حسب تحولات البيزنيس و المصالح السياسية الاستراتيجية.يعني بالعربى ربّاطين و حرامية و كتالين كتلة نسأل الله أن يكفينا شرهم و يدينا خيرهم (و لو كان قشرة موزة معفّنة).و أخلص من كل هذا الى ضرورة التأنّي عند دوافع الرعاة الأوروبيين و الشمال أمريكيين لفنون الأفارقة.كون معظم هؤلاء الرعاة يتلاقون و تتقاطع مصالحهم عند محاور و أحلاف و منظمات مربوطة اما بالشركات متعددة الجنسية أو بجهات رسمية حكوماتها ضالعة في منظمة حلف شمال الاطلنطي.(كما المجلس البريطاني و اللجنة الأفريقية في بريطانيا و الجمعية الفرنسية للحركة الفنية (آفا) و برنامج آفريك أون كرياسيون و وكالة الفرانكوفونية في فرنسا و معهد غوتة و شركة الكهرباء لجنوبي ألمانيا إي أون و مجموعة شركات مترو في ألمانيا و مؤسسة الأمير كلاوس في هولندا و مؤسسة فورد و روكفلر و ستاندار بانك و مجموعة شركات التريا( مارلبورو) وتويوتا و ايرفرانس و لوفتهانزا و هلمجرررررررررررا
IBM,CIA ,ABC, DEFGHIJKLMNOPQRSTUVWXYZ
و في معية كل هؤلاء الرعاة الميامين نادرا ما يجد الفنان الأفريقي المعاصر نفسه في علاقة حوار فكري و فني مع ممثلي المؤسسة الراعية بوصفهم أشخاص منخرطين بصورة أو بأخرى في قضايا الثقافة و المجتمع الأفريقي. و الغالب هو أن الفنان الأفريقي يدبر حاله مع نوع من كائنات بيروقراطية مستعجلة كل همها انجاز البرنامج السياسي للتظاهرة وفق الآجال المعلن عنها و داخل حدود الميزانية الممنوحة.و تجاهل الرعاة للأسئلة الثقافية و الاجتماعية الحقيقية، التي تستبطن المشاريع الفنية للفنانين المعاصرين في أفريقيا، يؤدي بالضرورة الى افراغ أعمال الفنانين من محتواها الاجتماعي و تحييد التظاهرة الثقافية بالنسبة لقضايا أفريقيا الرئيسية: قضايا التنمية و الديموقراطية و العدالة الاجتماعية.كل هذا يردنا لحكاية الرجل الألماني الذي خلص الى ادانة الموز بكونه" غير صالح للأكل" لمجرد كونه يجهل طريقة أكله.و صاحبنا معذور لأنهم باعوه الفاكهة الاكزوتية بدون " دليل الاستعمال" اياه.لكن رعاة الفنأفريقانية و عملاءهم بعيدون كل البعد من غشامة الرجل الالماني الذي أراد تبهير الموزة.لا، رعاة الفنأفريقانية عندهم" دليل استعمال" خاص بهم غايته صيانة سوء الفهم و تكريس الظواهر الثقافية الأفريقية كطلاسم أزلية غير قابلة للفهم ، و بالتالي لا داع للتعب. فهذه هي أفريقياكما كانت و كما ستبقى أبد الدهر : سر غامض ساحر خارج التاريخ.و ضمن مشهد سوء الفهم الطوعي دأب رعاة الفنأفريقانية على تبهيرنا ،على نحو اعتباطي، في كل مرة ببهار جديد.و بهار الـ "ريميكس" ( الخلط المجدد) الذي حاولوا أكلنا به هذه المرة لا يمثل أول محاولة لتطييب لحمنا في مطبخ القهر الثقافي الأوروبي. و سأحاول في السطور القادمة تقديم بعض المحاولات الرئيسية التي توسل بها طهاة الفنأفريقانية لتبهير لحم الفنانين الافارقة ببهار أصالة ثقافية يتصورها الأوروبيون لأهل القارة.

الفنأفريقانية سحر و بهار و موز:3الموزة الثانية

الموزة الثانية
أثناء المجاعات الكبيرة التي اجتاحت بعض البلدان الأفريقية في الثمانينات ، قالوا أن رجلا جائعا غادر قريته ليطوّف بالخلاء يبحث عن أي شيء يقيم الأود.قالوا أن الرجل في نهاية تطوافه جلس، وقد بلغ به الاعياء مداه ، فصلى و توسل الى الله أن يرأف بحاله و يرحمه بشيء من الطعام.قالوا أن الرجل ما أن قام من مكانه حتى وقع بصره على عنقود موز ناضج فسارع و أخذه في لهفة كبيرة و هو يهتف:
الـلّـه ربي ، موز... نحمدك يا ربي النّجّيتني من موتة الجوع.
و بينما كان يأكل الموزة بعد الموزة بتلذذ، وقع بصره على موزة فاسدة، فقطعها من العنقود و رماها أرضا و هو يقول:
دى معفّنة ما بتنأكل لي.
و ذهب في سبيله.
و في اليوم التالي مر جائع آخر يبحث عن أي شيء يؤكل في نفس المكان، فوقع بصره على الموزة الفاسدة التي كان الجائع الأول قد رماها البارحة، فصرخ بفرحة كبيرة :
الله ربي ، موزة معفّنة..
فاخذها و قشرها بحنو و التهمها في سعادة كبيرة ثم رمى قشرتها على الأرض و ذهب ولسانه يردد :
نحمدك يا ربي ، نجيتني من موتة الجوع.
و في اليوم الثالث ، كان جائع ثالث قد سمع اشاعة غريبة عن وجود موز في هذه المنطقة فقصدها و بدأ يبحث بهمة في كل شبر من شعابها. و في نهاية نهاره كان الاعياء قد تمكن منه، فاضطجع و سند ظهره على جذع شجرة جافة.ثم رفع بصره نحو السماء و تضرّع لله أن يرزقه شيئا يؤكل.قالوا أن الرجل ما أن خفض بصره حتى وقع على قشرة الموزة المعفنة، التي كان الجائع الثاني قد رماها البارحة، فتهللت أسارير الرجل و صاح:
الله ربي ، قشرة موزة معفنة..
ثم مال على قشرة الموزة و أخذها و نفض عنها التراب برقّة ، قبل أن يدفع بها الى فمه و يأكلها بتلذذ ظاهر، و لسانه يلهج بالحمد و الشكر للخالق الذي نجاه من الموت جوعا.
هذا الجائع الثالث هو فنان أفريقي معاصر ، و هو يعرف تماما أنه ان لم يلتقط قشرة الموزة المعفّنة، التي تنعم بها عليه الآلهة الأوروبية التي ترعى الفنأفريقانية المعاصرة، فمصيره الموت جوعا وسط لا مبالاة الجميع.هذا الفنان الأفريقي المعاصر على وعي بأن الرعاة الاوروبيين يعرفون أن لا خيار آخر أمامه سوى قبول قشرة الموزة الفاسدة التي قد يمنحونها له في حالة تعاونه معهم.
و هكذا نعرف جميعنا أن فرص الفنان المعاصر، الأفريقي المولد، في عرض عمله في محافل العرض العالمية ـ بما فيها المحافل الأفريقية نفسها ـ تضيق بشكل طردي كلما ابتعد العمل عن مواصفات الفنأفريقانية الرسمية التي يعرّفها الرعاة الأوروبيون ضمن اطار مرجعي تتمازج فيه الاستراتيجيات السياسية و الاقتصادية مع الاعتبارات الانثروبولوجية و مساعي البر النصراني بانواعه.
و في ما وراء هذه التعميمات يجدر التذكير بأن الفنأفريقانية، قبل أن تكون فترينة عرض ينتفع بها نفرمحدود من الفنانين الافارقة يعرفهم الجميع، فكأنهم الـ " المتهمين المألوفين"،
« The Usual Suspects »
في عرض نتاجهم الابداعي للأوروبيين المهتمين بأفريقيا، فهي في مبدأها أداة سياسية تتوسل بالثقافة و تطوّر من كفاءتها ضمن منظور سياسي مستديم و محكم البناء.
و اذا كان للفنانين الافارقة أن ينخرطوا في " بيزنيس " الفنأفريقانية السائدة اليوم فمن الضروري أن يدخلوا هذه الأرض المفخخة و هم على بصيرة نقدية بطبيعتها كفضاء جيوبوليتيكي تتقاطع فيه تناقضات الطبقة و العرق و التاريخ.و جيوبوليتيك الفنأفريقانية كما تطرحه علاقة الاوروبيين بالثقافة الأفريقية، ما زال قارة عذراء تائهة بين تيارات المصالح الاستراتيجية المتضاربة ضمن محيط العولمة المريع.و حين أقول" محيط العولمة المريع" ، فالروع واقع على الأوروبيين قبل الأفارقة،فالسلخ لا يضير الشاة الافريقية بعد الذبح و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، الروع واقع على الأوروبيين كونهم يكتشفون كل يوم غيلان و سعالي عولمانية جديدة( أمريكية و آسيوية) تنازعهم في مستعمراتهم( السابقة؟) و في مناطق نفوذهم وفي أسواقهم التي ورثوها عن آباءهم و تعودوا على استغلالها كأمر طبيعي، و قد تتطاول وتمسك بخناقهم في عقر دارهم الأوروبية نفسها.و الحملة الاعلامية الأوروبية لصالح بناء" الاتحاد الاوروبي" تعتمد أساسا على عنصر التخويف، تخويف المواطن الأوروبي بغيلان العولمة التي تتربص به سواء من جهة أمريكا أو من جهة الصين ، حتى يقبل الانضواء تحت راية الولايات المتحدة الأوروبية القمينة بمواجهة عمالقة السوق المتعولم و حفظ نصيبها في القسمة الوشيكة لثروات العالم المادية و الرمزية.
لفهم جيوبوليتيك الفنأفريقانية ، فالفنان الأفريقي مطالب بتطوير منهجية نقدية سياسية لمقاربة ظواهر الفن الأفريقي المعاصر.و هو موقف يمكن تلخيصه في بضعة أسئلة بسيطة " بوليتكلي انكوريكت" بيد أن منفعتها بيّنة. و هي كالآتي:
1- من يدفع نفقات التظاهرة الثقافية الفنأفريقانية؟
هذا السؤال ينطلق من واقع الفقر المدقع اللاحق ببلدان أفريقيا و الذي يحول بينها و تنظيم تظاهرات ثقافية في أفريقيا ، ناهيك عن تنظيمها في أوروبا.و عموما يمكن القول بأن نوعية الجهة التي تدفع نفقات التظاهرة الثقافية الفنأفريقيانية تؤثّر بشكل حاسم على طبيعة التظاهرة و موضوعها.في واحدة من المنتديات التي نظمها المتحف البريطاني و غاليري هايوارد و أفريكا ريميكس كان النقاش يدور حول موضوع الفن و الهوية في أفريقيا،فطاب لي أن اسأل المتحدث الرئيسي " سيمون نجامي"، قوميسير معرض أفريكا ريميكس، عن هوية الجهة التي تدفع نفقات التظاهرة، و كنت أتوقع من الرجل أن يفتح بابا للريح في اتجاه حكاية الفنان الأفريقي المعاصر و حكاية قشرة الموزة الفاسدة التي تنجيه من الهلاك جوعا، و لكن " سيمون نجامي " المثقف الضليع العارف ببواطن الجيوبوليتيك الأفريقاني عمل " أضان الحامل طرشاء" و أحالني لمسئول مكتب الحسابات في المتحف البريطاني..و تعامي " نجامي " عن المؤسسات السياسية و الاقتصادية التي موّلت أفريكا ريميكس و " الموسم الأفريقي" " أفريكا 5" هو في الحقيقة اجابة صريحة تؤشر لطبيعة الجهات المريبة التي تدفع نفقات الفنأفريقانية ، و سأعود لهذا الأمر في براح منفصل.
2-
لماذا تهتم البلدان الصناعية الغنية و المؤسسات الثقافية و الاقتصادية الأوروبية و الشمال أمريكية ـ و أخيرا الآسيويةـ بالفن الأفريقي المعاصر لدرجة أن تخصص لرعايته ميزانيات ضخمة، تتجاوز أحيانا الميزانيات المخصصة للثقافة في جملة البلدان الأفريقية؟
منذ نهاية الحرب الباردة و الأقوياء- أو من يتوسمون القوة في أنفسهم – يحاولون اعادة اقتسام خيرات العالم المادية و الرمزية و يتوسلون الى ذلك الهدف بتنظيم الاحلاف و المعاهدات السياسية و الاقتصادية و العسكرية.و في هذا المشهد تنطرح أفريقيا بمواردها الطبيعية و بقيمتها الاستراتيجية، كفريسة سهلة يحلم كل من هب و دب بأن يحجز لنفسه فيها موضع قدم لنفوذ أو تأثير سياسي و اقتصادي محتمل.و كل الوسائل تبرر الغايات بما في ذلك وسيلة الفنأفريقانية.و اذا أخذنا مثال تظاهرة "آفريكا ريميكس" ، فان هذا المعرض الذي يعتبر الأكبر من نوعه( أكثر من ثمانين فنانا أفريقيا) سيكون من أهم تظاهرات الثقافية الافريقية المعاصرة في اليابان ، حين يستضيفه متحف " ماوري للفنون" بطوكيو(أبريل /يونيو 2006 ).و اهتمام اليابانيين ( و الصينيين و الكوريين و الهنود ) المتأخر بأفريقيا يمكن فهمه في اطار أزمة الطاقة البترولية التي يتوقعها العالم في العقود القليلة القادمة.و اذا كان اليابانيون و الصينيون ( و آخرون)، قدعارضوا ـ في الامم المتحدة ـ مشروع قرار فرض عقوبات على السودان في قضية دارفور، و اذا كان الايطاليون قد وقفوا، في الاتحاد الأوروبي، ضد حظر بيع الأسلحة الأوروبية لنظام القذافي ، فكل هذه المواقف تؤشر مباشرة الى حرص القوم، شرقا و غربا ،على تأمين مصادر البترول بأي ثمن، و لات " قشة مرّة" تثنيهم.و هذه فولة تحتاج لكيال آخر.
3-
أين تتم التظاهرات العالمية للفنأفريقانية ؟
معظم التظاهرات الكبيرة للفن الأفريقي المعاصر يتم تنظيمها في الحواضر الأوروبية و الشمال أمريكية.و هي تظاهرات تمولها مؤسسات و دول أوروبية و شمال أمريكية لصالح الجمهور الأوروبي و الأمريكي الذي يرى صورته بشكل محمود في المرآة الأفريقية المداهنة.و اذا كانت السنوات الأخيرة قد بدأت تشهد بعض المهرجانات الفنية و البيناليات في بعض العواصم الأفريقية كمعرض " بينالي داك آرت" في السنغال ، و معرض بينالي التصوير الفتوغرافي في مالي، فان هذه التظاهرات تمول بشكل رئيسي من قبل دول أوروبية كفرنسا أو من قبل جهات دولية أوروبية كالاتحاد الأوروبي أو " الوكالة الدولية للفرانكوفونية" أو مؤسسات فورد أو روكفلر أو الأمير كلاوس أو معهد جوتة أو المجلس البريطاني الخ.
هل يمكن أن نستنتج من هذا الواقع أن الفنأفريقانية ليست سوى وجه آخر من وجوه التعبير الثقافي الأوروبي يصنعه الأوروبيون لمنفعتهم الخاصة و لا علاقة لأهل أفريقيا به؟مندري ، لكن الشاهد هو أن معظم نجوم الفن الأفريقي المعاصر التي تطوي شهرتها الآفاق الأوروبية و الشمال أمريكية هم نكرات أو شبه نكرات وسط جمهور الفن في البلدان الأفريقية.
4-
ماالذي يجعل بعض البلدان الأفريقية تبدو أكثر حضورا من غيرها في المحافل الأوروبية للفنأفريقانية بينما يبدو البعض الآخر مستبعدا أو غائبا تماما من دائرة الضوء؟ هل يتم اختيار الفنانين بالنسبة لمواهبهم و قدراتهم الابداعية أم أن الاختيار له علاقة بالمصالح الاستراتيجية السياسية و الاقتصادية التي تطرح نفسها على الجهات المنظمة لحظة تنظيم التظاهرة؟ ما الذي يجعل بلدانا مثل نيجيريا و جنوب أفريقيا تستأثر بنصيب الاسد من حيث عدد الفنانين الذين يمثلونها في التظاهرات الفنية الدولية في العقدين الأخيرين ، في حين أن دولا أفريقية كـ السودان و يوغندا و تنزانيا و اثيوبيا و تونس و ليبيا و النيجر و تشاد و غينيا و غانا و اريتريا وموريتانيا الخ، تبدو غائبة أو مهمشة من قبل الرعاة الأوروبيين الذين ينظمون تظاهرات الفنأفريقانية؟
أظن ـ و الظن الآثم ، كما قلت لكم ، مشروع و مطلوب حين يتعلق الأمر بتفحّص دوافع الأوروبيين في الاعتناء بفن الأفارقة ـ أن قسمة أفريقيا الوشيكة، التي يتهيّأ لها الأوروبيون مع الشمال أمريكيين و بعض الآسيويين ، ضمن النظام (الفوضوي) العالمي الذي عقب الحرب الباردة، تبدو مستحيلة بغير" وكلاء" أفارقة قويين و قمينين بالتذرّع بذرائع الجغرافيا المشتركة و التاريخ المشترك و العرق المشترك، لارسال أفارقة لقهر أفارقة آخرين ، لصالح سادة السوق الرأسمالي المتعولم.و " أفرقة" العنف الامبريالي ، ليس أمرا مستجدا في ذاكرة السياسة الاوروبية الافريقية ، ففي منتصف السبعينات استخدم الفرنسيون أيام الرئيس " جيسكار"، بالتواطوء مع نظام الملك الحسن، استخدموا الجيش المغربي لسحق الانتفاضة الشعبية المسلحة التي كانت تتهدد نظام" موبوتو" في زائير. و قد عمل الجنود المغاربة آنذاك تحت امرة الفرنسيين التامة.غير أن الاستخدام الأداتي للجيوش الأفريقية من قبل الأوروبيين لم يعد ممكنا اليوم ، فالظروف الجيوبوليتيكية للعالم المعاصر صارت تحبّذ منطق" التعاون" مع الأنظمة الأفريقية، و أضع العبارة بين الأهلّة لأن " التعاون " بين الأقوياء و الضعفاء انما يعكس علاقة القوة غير المتعادلة و يمسخ التعاون لمعاني الابتزاز السياسي و الاقتصادي مما شاع في العلاقات الدولية الأوروبية الأفريقية بعد " استقلال" البلدان الأفريقية.و التعاون يتم اليوم بين بعض الأوروبيين و بعض الافارقة لحماية مصالح السوق من عواقب الفوضى الاجتماعية و السياسية في القارة" المظلمة"، بالتي هي أحسن، كما في حالة جنوب أفريقيا الغنية التي يتحرك رئيسها " الأجاويد" ـ على رأس المال الرمزي لانتصارالأفارقة على نظام الأبارتايد ـ بهمة بين الكونغو وساحل العاج و السودان. أو بالتي هي أسوأ، كما في حالة نيجيريا الغنية التي انمسخت شرطيا دوليا لغرب أفريقيا، و جيشها الجرار لا يكف عن الحركة بين ليبيريا و سيراليون، وربما السودان مؤخرا.. و في كل الحالات فان ذريعة التدخل الاولى هي " انسانية بحتة" لحماية المدنيين العزل و النساء و الأطفال.و في الفضاء " الانساني " لا يصح الكلام عن مصير الثروات و المقدرات المادية و الاستراتيجية في البلدان الأفريقية المشتعلة.
و اذا رجعنا لحجوة قشرة الموزة الفاسدة ،فان مغزى الحكاية ينطوي على رؤية متشائمة للعالم المعاصر: فقدر فناني أفريقيا هو أن يتنكبوا عواقب الوجود في عالم الفن المعاصر الذي لا يطيقهم الا كمنبوذين على هامش نظامه الشرير.و في نهاية التحليل ، فان كان الرعاة الأوروبيون للفن على غير استعداد لفهم طموح الفنان الأفريقي و مطالبه ، فذلك ببساطة لأن لا مصلحة مادية أو أخلاقية لهم في تفهّم ما يحدث في الفضاء الاجتماعي الثقافي الذي يعمل ضمنه الفنان المعاصر في أفريقيا.و في سوء ظني أن القوم سيبذلون قصارى جهدهم لتجنب الملابسات الثقافية التي تملك أن تجرهم لمخاطر تفهّم ما يحدث حقيقة في حركة الثقافة النقدية بين الأفارقة.و في هذا المشهد ، مشهد صيانة سوء الفهم المتعمّد تجاه التعبيرات المعاصرة للثقافة الفنية في أفريقيا ، فليس هناك أفضل من حجوة الموزة الثالثة.
أواصل
...........

الفنأفريقانية، سحر و بهار و موز: 2،الموزة الأولى

الموزة الأولى
الصديق معتز نصر، فنان مصري شاب، كان بين العارضين في معرض آفريكا ريميكس.( عمله المعروض : تأثيث لفضاء الصالة بمئة طبلة في نوع من حوار ايقاعي مع فيلم فيديو لطبّال على الحائط ). و حضور معتز نصر ـ كفنان مصري ـ ضمن معرض أوروبي للفن الأفريقي المعاصر حدث يستحق الاشارة، كون دوائر الرعاة الأوروبيين للفن الأفريقي المعاصر قبلت مؤخرا أن عرب أفريقيا هم في النهاية أفارقة مثلهم مثل بقية سكان أفريقيا. و قد حكى معتز للحضور في سمنار نظمه المتحف البريطاني (12 فبراير 2005) حكاية ذات دلالة، فحواها أنه قبل سنوات كان قد تقدم بطلب لمؤسسة أوروبية تدعم الفنانين الشباب الافارقة بمنحهم فرص " اقامة فنية" لعام أو عامين في أوروبا، و توفر لهم شروط عمل و معيشة مريحة، حتى يتمكنوا من انجاز مشاريعهم الابداعية.قال معتز أنه ملأ كل الاستمارات الضرورية ، و أكمل كافة الشروط قبل أن يودع ملفه بريد الـ " فاونديشان" المعنية بمساعدة الفنانين الأفارقة.بعدها بفترة جاءته رسالة مقتضبة من المؤسسة المعنية تقول: نأسف لعدم الاستجابة لطلبك لأننا نمنح المساعدات للفنانين الافارقة و ليس للمصريين . اختتم معتز نصر حكايته بشكر القائمين على معرض أفريكا ريميكس لأنهم قبلوه كفنان أفريقي.
على ضوء هذه الحكاية لا مفر من طرح السؤال: ما الذي يجعل الافارقة أفارقة؟
و ما هي المواصفات التي تسوّغ للناس أن يوصفوا شخصا ما بأنه " افريقي"؟
الاجابة على مثل هذا السؤال تكمن في طيات الحجوة " الافريقية " القصيرة التي تقول أن طفلا صغيرا كان يأكل موزة و هو جالس في حجر جده،وخطر له سؤال فالتفت نحو الجد و قال:
" قل لي ياجدي ، هذه الفاكهة التي نأكلها ، لماذا نسميها موزا؟"
قالوا أن الجد صمت للحظات قبل أن يجيب:
" لأن شكلها يشبه شكل الموز، و لونها يشبه لون الموز، كما طعمها كطعم الموز تماما، فضلا عن كون الجميع يسمونها موزا ".


" و هكذا يا سادتي " ،
جئنا، بجاه جيوبوليتيك الفنأفريقانية
جئنا نتذرّع بسيماءنا الما بتغباكم ( و تعرفهم بسيماهم)،
جئنا من أفريقيا و جئنا من أوروبا و أمريكا و من واق الواق الما وراها ناس،
واجتمعنا في ذلك المنتدى" اللندنأفريقاني" الفاره، لأن بعض الجهات الأوروبية وجهت لنا الدعوة بوصفنا فنانين أفارقة.
و مالهم و الأفارقة ؟
أظن ـ وبعض الظن الآثم ضروري حين يتعلق الأمر بتفحّص أجندة الأوروبيين في العناية بأهل أفريقيا ـ أن مفهوم "الفن" في خاطر الأوروبيين لا يستقيم ما لم يعتمد على مفهوم " اللا فن".ذلك أن القوم أسسوا مفهوم الفن على قاعدة الامتياز الاجتماعي ضمن مشهد المجتمع الطبقي، و رتبوا تصانيفه الجمالية بما يتوافق و مصالح الطبقة ( فن أكاديمي عالم و فن شعبي و فن بدائي و فن ساذج و فن أطفال و فن جميل و فن تطبيقي الخ). و في هذا فالفن، كظاهرة اجتماعية متأثرة بواقع الصراع الطبقي، ليس معزولا عن بقية الظواهر الثقافية الاجتماعية الأخرى كالعلم و الأخلاق و القانون و الدين الخ ، و هو يخضع لنفس التدابير الآيديولوجية التي تصونه كأحد أدوات الهيمنة الطبقية بما ينطوي عليه من قوة رمزية ذات مردود سياسي قيم.
و عليه أزعم أن صفة " اللافن" ،المُمَوّهة بعناية حاليا، ( و بغير عناية في السابق)، في طيات الخطاب الأوروبي الذي يعالج التقليد الفني لغير الأوروبيين ، هي في الواقع صفة ضرورية لتقليد الفن الأوروبي كونها تلعب دور " المرجع المضاد"
Counter Reference
في تكريس صفة "الفن" لتقليد المهيمنين.و في هذا يمكن القول باستحالة فصل مفهوم " الفن " عن مفهوم " اللافن" ، فهما وجهان لجسم واحد هو فن المجتمع الطبقي., على هذا أزعم أن الأوروبيين انما يهتمون بالفن الأفريقي المعاصر من حيث كونه يبرر ـ في خاطرهم الطبقي ـ حالة " اللافن" الأكثر خلوصا.و أمضي في زعمي الى أن الأوروبيين لا يطيقون مجرد فكرة تجاهل هذا " اللا فن الأفريقي" كونهم يعرفون موقعه في صلب التأسيس الآيديولوجي لفكرتهم عن الفن.و هكذا يصبح موقف الفن الأفريقي المعاصر كـ " مرجع مضاد" ذريعة لتمجيد تقليد الفن الأوروبي المعاصر بطريقة ملتوية.و الالتواء يبدأ من مجرد المقابلة بين المفهومين مفهوم" الفن الأوروبي" ، بالتضاد أو بالمقارنة ، مع مفهوم " الفن الأفريقي"، و لا يهم ما اذا كان الفنانون الأفارقة قد تعلموا الفن و تمثلوا مبادئه و مراجعه على نهج المدارس الأوروبية، و أعادوا انتاجه كنوع ثقافي أوروبي.و يستمر منطق الالتواء في حرص الأوروبيين على عزل آثار الفن المعاصر الذي ينتجه الأفارقة في فئة اعتباطية تشوبها شبهات العرقية الشعبية الغليظة من نوع " الفن الأسود " أو "الفن الزنجي " أو حتى الفرز بين فنون " أفريقيا السوداء " و " أفريقيا الـ......بيضاء" الخ.
أقول : ان وضعية " المرجع المضاد " انما تمركز الفنانين الأفارقة في الوجه المظلم لتقليد الفن الأوروبي.و عليه تجوز عبارتي في كون الفن الأفريقي المعاصر هو " القارة المظلمة" في فضاء التقليد الفني الأوروبي. و في شعاب هذه القارة المظلمة يقبع الفنانون الأفارقة في انتظار الفرج حين يهل عليهم متعهدو المواسم الأفريقية، ممن لا يفقهون شيئا من أمر الواو الضكر ، ليكتشفونهم أو ليعيدوا اكتشافهم حسب الحاجة. حاجة الجيوبوليتيك الأفريقي المفتوح على احتمالات العولمة.

و ما الذي يجعل الأوروبيين " يشتهون الحنيطير" و يتنكبون أمرا في وعورة الفن الأفريقي المعاصر بما ينطوي عليه من اشتباهات جمالية و سياسية و أخلاقية تستعصي حتى على أهله العاكفين عليه عكوف النسّاك؟
ما الذي يجعل الأوروبيين بحاجة الى اكتشاف أفريقيا من جديد؟
ربما كمن تفسير الأمر في كون أفريقيا آخر فضاء يسكنه " الآخر" ، و في كون الانسان الأفريقي ما يزال يمثل، في خاطر الأوروبيين الذين تروّعهم تحولات العولمة المادية و الرمزية، باعتباره حامل مرآة الآخر الصمد الثابت المستعصي على التحول و التطور.و اشكالية الآخر التي يكابدها الفنانون الأفارقة هي في تحليل ما شأن أوروبي لا ناقة للأفارقة فيه و لا جمل من حيث المبدأ. أقول " من حيث المبدأ " لأن واقع الهيمنة المفروضة على الأفارقة يعرضهم ـ كما" خادم الفكي" ـ لتقلبات المزاج الروحي الأوروبي و نزواته العجيبة.
و اليوم حين يتأمل الأوروبي المتوسط في حال العالم المتعولم المعاصرفهو يرى العجب. بالذات حين ينظر للشعوب التي كانت تحت هيمنته الاستعمارية قبل عقود قليلة و يراها انمسخت لخصوم اقتصاديين بينهم من قويت شوكته في ساحة السوق فصار يشكل خطرا أكيدا على اقتصاد البلدان الأوروبية.هذا " الآخر " الفالت من هيمنة أوروبا هو بالضبط " الآخر " الذي لا يرغب الأوروبيون في رؤيته.ففي مرآة الآخر الياباني و الكوري و الصيني يرى الأوروبي عيوبه و نقاط ضعفه و قد ضخّمتها المسافة و سوء الفهم و اختلال البصر، فلا يملك الا أن يشيح بنظره عن هذه الصورة المقلقة و يهرب الى مرآة الآخر الأفريقي التي تعزيه أجمل عزاء بأن الدنيا بخيرها و أن أفريقيا ما زالت في طينها و رطينها خارج التاريخ.أن تخلف القارة الأفريقية ، الذي يتضامن الأوروبيون على صيانته كقدر نهائي للشعوب الافريقية، يرفع عن الأوروبيين الذين ينظرون نحو القارة المظلمة المخاوف و الشكوك التي أدخلها فيهم واقع عولمة مزلزلة لا يملكون زمامها.
على هذا التحليل أفهم " المحبة " الكبيرة التي يكنها الأوروبيون للتقاليد الأفريقية و الحماس الكبير للأصالة الثقافية الأفريقية ، بشكل يفوق محبة و حماس الأفارقة أنفسهم لتقاليدهم و لأصالتهم الثقافية.
واذا كان الولع الأوروبي المريب بالفن الأفريقي هو مشكلة أوروبية ، فما الذي يجعلنا، نحن الفنانين الوافدين من القارة الأفريقية ، ما الذي يجعلنا نحسب أيام هذا الشهر الأوروبي و لا نفقة لنا فيه ولا جمل ؟ما الذي يجعلنا نقبل صفة " الفنان الأفريقي"؟
ذلك أننا من اللحظة التي قبلنا فيهاالدعوة لـهذا " الموسم الأفريقي" أو لذاك الـ " ريمكس" الفلتكاني الخ فنحن ننمسخ طوعا الى صورة ذلك" الفنان الأفريقي" الذي يتوقع منّا الرعاة الأوروبيون أن نكونه.
الاجابة على هذا السؤال لا تكون الا مركبة تركيبا يليق بتركيب الواقع الثقافي الذي يتقاسمه الفنانون الأفارقة مع غيرهم من المبدعين المعاصرين، كونها تتصدى لشأن الفن المعاصر الذي ينتجه الأفارقة في مقام أسئلة الحياة و الموت.و هذا كله أمر جلل أرجو أن نخفف من وطأته بحكاية" الموزة الثانية" ، و هي ، لو تعلمون ، أزرط من حكاية " الموزة الأولى".

1الفنأفريقانية،سحرو بهار و موز

بهار " حوار الثقافات"
( باريس 1989 )
في اطار احتفالاتها بمرور مئتي عام على الثورة الفرنسية، نظّمت السلطات الفرنسية ، في عام 1989 معرضا ضخما في متحف الفن المعاصر بمركز" جورج بومبيدو" و بقاعة "لا فيليت" الكبرى في باريس.كان عنوان ذلك المعرض هو " سحرة الارض"
Les Magiciens de la Terre
و ينظر الكثيرون اليوم الى معرض " سحرة الارض" كأحد أهم معارض الفن المعاصر خلال النصف الثاني للقرن العشرين ، كونه انطرح كأول معرض" عالمي" للفن المعاصر ، دون أن تكون صفة" العالمية" مقتصرة على الفنانين الاوروبيين و الشمال أمريكيين.
و يمكن تلخيص الطموح الرئيسي لمعرض " سحرة الأرض" في كونه سعي واع لتعريف منهجية معارضية تسوّغ للأوروبيين أن يستوعبوا في خانة الفن المعاصر مجمل نتاج الفنانين المعاصرين أينما كانوا.و ذلك على مبدأ بسيط فحواه أن كل ممارسة فنية اليوم هي جزء أصيل من عالم الفن المعاصر بصرف النظر عن السياق الاجتماعي أو الجغرافي الذي تتم فيه.و فيما وراء الطموح المعارضي لـ " جان هيوبير مارتان" قوميسير معرض " سحرة الارض"، فللرجل طموح انساني نبيل يؤسسه على فكرة تقدمية جبارة هي فكرة الشراكة العادلة الكاملة بين الرجال و النساء الذين يسكنون العالم المعاصر. شراكة في تراث التاريخ الانساني و في حقوق و واجبات الحاضر و في وحدة الحلم و المصير الانساني.و على هذا لا مناص لنا من التضامن على انجاز اليوتوبيا الانسانية السعيدة التي تنتظرنا في ثنايا الغيب.و في هذا المشهد ينمسخ قوميسير المعارض الى داعية نشط لآيديولوجية "الحوار بين الثقافات"، و حجته المركزية هي أن كل فنان ناطق باسم ثقافته المميزة ، و كل ثقافة أصيلة تقف على قدم المساواة في مواجهة الثقافات المغايرة، بل و كل ثقافة تنظر للثقافات المغايرة كظواهر اكزوتية مشوّقة و مدهشة.( أنظر نصّي " من اخترع الافارقة ؟" المنشور في قسم الدراسات ،فن تشكيلي، في" سودان للجميع دوت أورغ").
و منذ البداية ووجه مارتان بسؤال حرج هو: كيف نستوعب في خانة الفن المعاصر نتاج الثقافات غير الاوروبية التي تجهل" مفهوم الفن" ذاته؟(و هو سؤال يموّه بصعوبة قناعة مارتان السرية بكون مفهوم الفن شأن أوروبي و أن ما ينتجه غير الاوروبيين هو شيء آخرلا يمكن تصنيفه كـ "فن".)و للاجابة على هذا السؤال اضطر مارتان لعمل حفريات آثارية في ما وراء تاريخ الفن، ليحصل على شبهة الفن في بعض ممارسات السحر في المجتمعات البدائية.( و هنا قناعة سرية ثانية لمارتان كونه يحيل المجتمعات غير الاوروبية الى خارج التاريخ و يكرسها ككيانات بدائية معارضة بطبيعتها" السحرية " لمنطق الحداثة الرأسمالية الذي تأسست عليه فكرة الفن كممارسة انتاجية مميزة). و من خلال مفهوم الفن كضرب من السحر يُعَْرقن مارتان ثقافات العالم ليساوي بين المبدعين المعاصرين كقبيل من السحرة و" الكَجََرة" و الشامانيين.و على كل فصفة الفنان كساحر و كشامان كانت قد اسقرت في مشهد الفن المعاصر كصفة ايجابية و جذابة بفضل فنان الـ " هابينينغ" و الـ " بيرفورمانص " ، الالماني جوزيف بويس(1921ـ 1986).واذا كان من النادر اليوم أن تجد بين الفنانين الاوروبيين و الشمال أمريكيين المعاصرين من يقوى على مقاومة جاذبية صفة الفنان كشامان معاصر ، فهو في حكم المستحيل تقريبا أن تجد بين الفنانين غير الاوروبيين من يستنكف عن صفة الفنان الشامان بالذات حين تنطرح صفة الساحر الشامان كضمانة للأصالة الثقافية للفنان الموعود بدخول جنة الفن المعاصر التي يحرسها الاوروبيون.
و هكذا صمّم " جان هيبير مارتان " معرض " سحرة الارض " كملتقى عالمي للسحرة و الشامانيين من كل أجناس العالم وثقافاته بدون فرز.طبعا المشكلة مع هذا النوع من التصنيفات هي أنه لا يترك خانة لنوع الفنانين الافارقة المعاصرين الضالعين في تقليد الفن الاوروبي( أو الآسيوي)، أكثر من ضلوعهم في تقليد الفن الأفريقي و سحره الأصيل المزعوم.
و رغم ذلك يبقى معرض " سحرة الارض "، في نظري، علامة مهمة في مشهد تاريخ الظاهرة المعارضية المعاصرة.بل هو مرجع محوري في تقليد العرض الفني الحديث كونه طرح أسلوبا جديدا في عرض تناقضات المشهد الجمالي المتعولم.و أظن أن جملة مناهج العرض المعاصرة قد تأثرت "، بصورة أو بأخرى،بتجربة " سحرة الأرض. بيد أن معرض " سحرة الأرض"، الذي انطرح عام 1989 كفعل خروج حقيقي على عادات المعارضية الاوروبية،و قيل كـ "فضيحة" ثقافية ـ في المدلول السوريالي للعبارة ـ سرعان ما وقع ضحية لنجاحه الجماهيري الكبير.ذلك أن هذا المعرض بحكم كونه كان يلبي الأماني الطوباوية النصرانية لتجسيد صورة الوفاق السعيد بين الثقافات و الأعراق،فهو سرعان ما ألهم اعدادا متنامية من رعاة و قوميسيري الفن المعاصر بتكرار التجربة تحت مسميات متنوعة، تدور كلها حول محاور" الحوار" بين الثقافات و العلاقة مع "الآخر" و أسئلة "الهوية"و "الحدود" بين الثقافات و" الدياسبورا"و "التحوّل" و" التمازج" و" التداخل" و " الخلط"( ريميكس) الثقافي العرقي و "النظر" المتبادل. وللأفارقة نصيب الأسد في هذا المسعى و القائمة تطول:
1990,New York,Contemporary African artists : Changing Tradition,
New York City Studio Museum,Harlem, with a catalogue preface by Wole Soyinka.
1990,Glasgow Art Gallery,Art from the Frontline,
Frankfurt, Museum fur volkerkunde, Signs of the time : New Art from Africa
1991-94, New york City center for African Art, Africa Explores: 20th century African Art.
1994,Paris , Institut du Monde Arabe, Rencontres Africaines.
1994, Liverpool, Bluecoat Gallery, Seen/Unseen.
1994, Las Palmas de Gran Canaria,Centro Atlantico de Arte Moderno, Another Country, African Stopovers,( 24 artists from Africa and the African Diaspora).
1995, London, Whitechapel Art Gallery,Seven stories about modern art in Africa .
1995, Tokyo,Setagawa Art Museum of Tokyo, An Inside Story, African Art of our Time.
2000,Lyon, 5e Biennale d’Art Contemporain de Lyon, Partage d’ Exotisme .
2001, Berlin,Haus der Kulturen der Welt, The Short Century, Independence and liberation movements in Africa 1945 – 1994.
2001, La Biennale di Venezia,Authentic – Ex –Centric, Conceptualism in Contemporary African Art .
2003,La biennale di Venezia, Fault Lines, Contemporary African Art and Shifting Landscapes .
2004, New York, Museum for African Art, Looking Both Ways, Art of the contemporary african Diaspora.

2004 – 2006 , Dusseldorf, London , Paris , Tokyo etc., Africa Remix, Contemporary Art of a Continent .
2005,Barcelona, Centre de Cultura Contemporania de Barcelona, Occident vist des d’Orient .
2005,Paris, Musée des Arts Derniers,Africa Urbis, Perspectives urbaines .
قلت أن معرض " سحرة الأرض" كان يمثل خروجا مهما على عادات المعارضية الأوروبية كونه أيقظ عالم الفن الأوروبي و أجبر أهله على النظر في موضوعات فنية جديدة و مواقف جمالية جديدة تبذل نفسها كطرف أصيل من تقليد الفن الأوروبي الحديث.و لكن معرض "سحرة الأرض " بعد ستة عشر عاما من افتتاحه استنفذ طاقة الفعل التمردي و انمسخ اليوم لمجرد درس أكاديمي من دروس المعارضية المعاصرة.و معظم منظمي المعارض الناشطين على مشهد الفن المعاصر اليوم هم أفراد في حوالي العقد الثالث أو الرابع من عمرهم ، أي أنهم من جيل الطلاب الذين لم يزوروا معرض "سحرة الأرض " لكنهم درسوه في دروس منهجية المعرض و تاريخ الفن المعاصر حين كانوا طلبة في الجامعات.و يمكن أن نقول نفس الشيء بالنسبة لجيل الفنانين غير الاوروبيين(و الأوروبيين أيضا)ممن استوعبوا درس معرض " سحرة الأرض" و وعوه.كل هذه التحولات تضافرت على مسخ " سحرة الأرض " من موقف الخروج المتمرد على التقليد المعارضي لمجرد تمرين حرفي مدرسي بلا تبعات.و قد تعلم نفر واسع من الفنانين الأفارقة أساليب فبركة نوع الموضوعات و نوع الأشياء الفنية و نوع المواقف المطلوبة في سوق الفنأفريقانية.و بطبيعة الحال ، فان "جان هيبير مارتان" يعرف أكثر من غيره طبيعة المسد الذي انتهى اليه حوار الثقافات المفخخ بمنطق السوق و بسوء الفهم المتعمد المتبادل.بالذات حين تسعى كل ثقافة للمبالغة في التأكيد على ما تدّعيه من خصوصيات رمزية و عرقية حتى تتمكن من تبرير وضعية الحوار و التبادل مع آخرها المزعوم.طبعا كل هذه المناورة لا تتم في فضاء ثقافي محايد يتمتع فيه كل طرف بحرية اختيارطرف الحوار الآخر مثلما يتمتع بحرية أن يحاور أو أن لا يحاور.لا،الحوار بين الثقافات هنا الزامي و كل محاور يعرف دوره كما الممثلين على خشبة المسرح فضلا عن كون هذا الحوار لا يستغني عن شخص " قوميسير" المعرض ، المنظماتي أو المخرج الذي يلعب دور الحكم بين فرقاء قُصّر.وهكذا نجدنا في معرض " آفريكا ريميكس" أمام نوع من ابن شرعي أفريقاني لمعرض " سحرة الأرض"، ابن شرعي ثاني بعد معرض " قسمة الاكزوتية" الذي نظمه " مارتان" بمناسبة بينالي ليون الخامس سنة 2000.و ليس صدفة أبدا أن "جان هيبير مارتان" مهندس " سحرة الأرض" يظل حاضرا في " آفريكا ريميكس" كما العراب الذي يراقب العرض من الكواليس بينما أفضل تلاميذه ، القوميسير السويسري الأسود من أصل كاميروني ، يخلط و "يسوط" كل شيء بكل شيء.
و حين أقول " يخلط كل شيء بكل شيء" فأنا لا أبالغ في شيء ،و تكفيني الاشارة الى ذلك الموقف العجيب الذي شهدناه في واحد من سمنارات المتحف البريطاني على شرف " آفريكا ريميكس" . و هو موقف يجسد البؤِس المنهجي المريع لمعرض " آفريكا ريميكس" كون هذا المعرض انمسخ، بذريعة الخلط ( ريميكس)، الى مساحة من الفوضى المنهجية يختلط فيها حابل الفن بنابل السياسة الأفريقانية و لا أحد يقول للفنانين الأفارقة عينكم في راسكم.ففي ظهر الجمعة 11 فبراير خصص منظمو السمنار المعنون بعنوان :
In and Out of Africa : Art and Identities
حوالي نصف ساعة للبيشوب " دوم دينيس سينقولان"، ليتحدث للحضور عن المشروع الذي يشغله و هو" مشروع تحويل الأسلحة الى أدوات للعمل" الذي تشرف عليه منظمة "العون المسيحي" كريستيان أيد" في موزمبيق.
Transforming Arms into Tools (TAE).
قام الأسقف الموزمبيقي بشرح الدور الذي تلعبه منظمة " كريستيان ايد " الخيرية في استعادة قطع السلاح الناري من الفلاحين الموزمبيقيين عن طريق مبادلة قطع السلاح بأدوات للعمل أو للمواصلات ، كأن تتم مبادلة البندقية بماكينة خياطة أو محراث أو دراجة، او مبادلة المدفع بتراكتور الخ.و حين تجمعت قطع السلاح المستعادة بكمية مهمة عهدت بها الجمعية لجماعة من الفنانين التشكيليين الذين قاموا بتقطيعها و اعادة توظيفها في منحوتاتهم التجميعية او حتى في تصميم بعض قطع الأثاث الفنية.و بعد حديث البيشوب تم عرض فيلم دعائي عن المشروع ، ثم قدّم البيشوب للجمهور مجموعة النحاتين الشبان الذين صمموا منحوتة في شكل شجرة من قطع السلاح المستعاد المجمّع .و هي المنحوتة النصبية التي عرضها المتحف البريطاني في صالته الرئيسية عند المدخل المستعاد من قطع السلاح الناري الذي جمع من الفلاحين الموزمبيقيين.
و قد شاب الحضور في الصالة مزيج غريب من مشاعر الحرج و الضيق( و الغضب في حالتي)أثناء محاضرة البيشوب " سينقولان" ، كون هذا الرجل، على طيب نيته ونبل مشروعه، في بلد عانى و مايزال يعاني من عواقب الحرب الطويلة،انما يخاطب صفوة جمهور الفن الأفريقي المعاصر، من موقعه كداعية ديني، بخطاب في سذاجة البروباغاندا النصرانية البائدة التي لم تعد تنطلي حتى على النصارى أنفسهم.و في حديثه كان " سينقولان"، الذي استأثر تماما بالميكروفون، يركز على مشروع منظمة " كريستيان ايد" أكثر من تركيزه على دور الفنانين الشبان الذين كانوا في معيته، و لم يتح لهم الاّ فرصة دقائق للحديث عن تجربتهم الفنية في اقتضاب . و كان من الواضح أن منظمة " كريستيان أيد" قد وجدت في التظاهرة الفنية الأفريقية منبرا نافعا لعرض نشاطها الخيري على جمهور الفن الأفريقي المعاصر و الاستفادة من الاضاءة الاعلامية المصاحبة للتظاهرة الفنية الأفريقية،و هي تقنية بروباغاندا معروفة أدخل في أساليب القرصنة الاعلامية كون جمعية " كريستيان ايد"، ذات البأس الرمزي و المالي المشهود، تجعل من تظاهرة " آفريكا ريميكس" رهينة اعلامية تسوغ بها الابتزاز الأخلاقي تجاه جمهور الفن الأفريقي .وقد تسنّى لي ـ بين المعقبين المهذبين ـ مخاطبة البيشوب " سينقولان" بملاحظة تتلخص في عدم اقتناعي بكفاءة فكرة تحقيق السلام و التنمية بمجرد نزع السلاح من الفلاحين الفقراء.من جهة أولى ـ و هي جهة انسانية ـ لأن هؤلاء الفلاحون هم، تحت كل الظروف، مجرد فقراء و معدمين يفتقرون لأبسط أدوات الانتاج.و بصرف النظر عن حيازتهم أو عدم حيازتهم لأسلحة نارية يقايضونها بأدوات الانتاج التي قد تمدهم بها جمعية " كريستيان ايد" ( أو غيرها)، فمن واجب كل من يملك مساعدتهم أن لا يتوانى في توفير ما يحتاجونه من أدوات انتاجية تمكنهم من العمل والعيش الكريم دون قيد أو شرط .و من جهة ثانية ـ و هي جهة عملية ـ فان نزع سلاح الفلاحين الفقراء لا يعالج مشكلة الفلاحين و غير الفلاحين من الموزمبيقيين الآخرين ، ميسوري الحال، الذين يملكون السلاح و أدوات الانتاج معا ، فلا يطالهم ابتزاز " كريستيان ايد" .و من جهة ثالثة ـ و هي جهة آيديولوجية ـ ففكرة تحقيق السلام و التنمية بمجرد نزع سلاح الفلاحين الفقراء لا تؤدي ، و ذلك لأن أسباب العدوان و الحرب والاقتتال ليست كامنة في الأسلحة و انما في عمق الواقع الاجتماعي و السياسي الذي يكابده الناس ضمن المجتمع الطبقي التناحري الذي يكابده الافارقة مثل غيرهم من العباد.و لعل أقرب مثال أفريقي على بطلان فكرة نزع السلاح الناري من الفلاحين الفقراء هو ما حدث في رواندا ،عام
1994 ، حيث قام الفلاحون الأوتو الفقراء بقتل حوالي ثمانمئة ألف من الفلاحين التوتسي الفقراء مستخدمين أدوات العمل،" السواطير" المعدنية التي يستخدمونها في حش و تنظيف الزرع.فماذا ستفعل جمعية" كريستيان أيد" مع فقراء رواندا ؟ و بأي حافز تجعلهم يتخلون عن أدوات العمل التي انمسخت لأدوات ذبح و تقتيل؟
كنت أتوقع من البيشوب" سينقولان" أن يعقب على ملاحظاتي من واقع تجربته كموزمبيقي مهموم بمعالجة أسئلة السلام و التنمية ، و لكن الرجل "صهين "و فضل تجاهل اي اشارة لتعقيبي.و قد شغلني هذا الامر و كنت أتساءل عن دوافع هذا النصراني الأسود الأنيق للاعتقاد في سذاجة مشروع كمشروع " تحويل السلاح الى أدوات" كما كان البسطاء في القرون الوسطى يعتقدون في امكانية تحويل المعادن الخسيسة الى ذهب.ترى هل للمسألة علاقة بالاعتقاد النصراني الدارج من أن بني البشر يحملون جرثومة الشر في دخيلتهم كقدر أبدي لا فكاك منه ، بحيث أن فرصة الخلاص الوحيدة الممكنة تتلخص في الحيلولة بينهم و بين وسائل الدمار و هيهات ؟مندري ، لكن النصارى الذين أعرفهم هنا ـ و على تباين المذاهب ـ هم قوم على فطنة و على سعة من الخيال تجعلهم ينفدون من مثل هذه النظرة التبسيطية المشاترة التي يتربص بها أهل البر البروباغاندي على فقراء أفريقيا عند كل أزمة.و في خلاصة حديثي أظن أن ما يستحق التأني في موضوع نزع السلاح من الفلاحين الفقراء في موزمبيق هو أن البيشوب " سينقولان" لم يشر ، لا من قريب أو من بعيد ، لحقيقة أن الأفارقة لا يصنعون الاسلحة النارية التي يصدرها لأفريقيا صناع السلاح في الدول الأوروبية المتمدنة.
و اذا عدنا لحكاية الموزة الثالثة، فمن الممكن تلخيص مغزاها في كون الفن الأفريقي المعاصر كما يبذله لنا رعاته الأوروبيون هو ببساطة " نيشت قوت"، يعني بالعربي
Nicht gut !
و ذلك طالما حرص الرعاة و القوميسرات الأوروبيون على عدم قبول فرادة الفنان الوافد من أفريقيا كشخص راشد ضالع في المبحث الوجودي الجمالي بملء ارادته، و طالما تضامنوا على اختزال الفن الافريقي لمجرد تعبير عرقي أو وطني أو ديني لأهل القارة.
أما لماذا لا يقبل الرعاة الأوروبيون فكرة أن الفنان الوافد من أفريقيا يملك أن يعبر عن فرادة ذاته المبدعة فذلك أمر يمكن تفسيره في براح لاحق.. و سأعود لهذا الامر بتأن في المرة القادمة.


Remix London
ريميكس لندن
الأعزاء و العزيزات
سلام كتير و ألف شكر على اهتمامكم الحبيب
و أعتذر ـ لو ينفع الاعتذار ـ عن عجزي و تقصيري في التعليق الفوري على مداخلاتكم الشيقة ، و الفورية رياضة عنيفة تنطوي على شبهة الابتسار و أنا أتحسب من عواقبها على حساسية الموضوعات و المفاهيم التي نحن بصددها. و في ما وراء مخاطر الابتسار ، فالفورية تملك أن تجر الكاتب الفوري في مزالق المجاملة السهلة و عادات اللغة الجاهزة التي تكتبنا بدلا من أن نكتبها
أقول : شغلتني أمور الدنيا التي تعرفون قدودها الكثيرة عن استئناف الكلام في أدب التصاوير الذي ورد في كلامكم، رغم أن كل مجادلة و كل حجة و كل ملاحظة من ملاحظاتكم ما تزال تنتظر في تلافيف الخاطر فصبرا و" السايقة واصلة " يا وليد.
الأخ حافظ خير
ترى هل يجوز لي شكرك كونك انتبهت لتصاويري؟
تقول حكمة الغبش : " الله لا جاب يوم شكرك" فتأمّل..
أنت تعلم أن المشاهدة لا تتم تفضلا و انما تكون ضرورة حيوية و أنا سعيد بنظرك المؤازر سعادة كبيرة، فالمشاهدة لا تكون بغير مؤازرة حتى نقوى على رؤية حال الوجود المعاصر . و هو حال عامر بالصور الطيبة مثلما هو عامر بالصور الخبيثة، و بين هذه و تلك أنواع و ألوان من وهم البصر الذي يموّه من وراءه حقائق الواقع البالغ التركيب.
هل وقعت في عينك صورة الأفارقة الذين تركوا لحمهم على سور الاسلاك الشائكة بين المغرب و اسبانيا هذا الشهر؟ هذه و الله أخبث صورالعصر حتى اشعار آخر.لقد دفع الاتحاد الأوروبي مبلغ أربعين مليون يورو للمملكة المغربية حتى يتكفل المغاربة بصد الأفارقة الفقراء عن حدود اليوتوبيا الأوروبية. . في السابق تبنت ايطاليا في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، الدفاع عن نظام القذافي حتى تم رفع حظر بيع الاسلحة الاوروبية للجماهيرية.و على هذا الثمن قبل القذافي التضييق على المهاجرين الافارقة الذين يتوجهون لأوروبا عن طريق ليبيا/ ايطاليا. وقبل اسبوع استقبل الرئيس معمر القذافي وزير الداخلية الفرنسي اليميني" نيكولا ساركوزي" للتباحث معه في كيفية صد الأفارقة الفقراء الذين يفدون لأوروبا عبر الأراضي الليبية.لم يذكر أحد الثمن الذي سيدفعه الاتحاد الأوروبي للعقيد حتى يقوم بسجن المهاجرين الأفارقة في معسكرات الاعتقال التي يسجن فيها فقراء أفريقيا المتوجهين لأوروبا، لكن من الواضح أن العقيد لا يحتاج لليورو و عنده من بترودولارات الامبريالية ما يغنيه. العقيد يطلب الأمان لا أكثر و لا أقل. و الهلع الذي أدركه بعد اذلال صدام حسين جعله يمضغ كتابه الأخضر و يبلعه كلمة كلمة و سبحان مغير الأحوال من حال الى حال.قبل أيام و نحن نثرثر مع بعض الاصدقاء الفرنسيين في هذا الامر سألني أحدهم عن مستقبل أفريقيا كما أتخيله بصفتي شخص وافد من تلك القارة المحزونة، فقلت للصديق: يوما ما سنبني يوتوبيا الولايات المتحدة الأفريقية بلا شك. و في حينها سنستأجر نفس المغاربة و نفس الليبيين لكي يصدوا الفقراء الوافدين من شمالي المتوسط عن حدودنا التي رسمها الاوروبيون حولنا. و ضحكنا جميعا و في حلقي غصة.
الأخ الوليد
الريميكس يا صاحبي تقنية جديدة في حرب البروباغاندا التي يشنها الأوروبيون على الأفارقة( و على غير الأوروبيين عموما) بسبيل اقصاءهم عن كل فرص الشراكة العادلة في يوتوبيا رأس المال المتنازع عليها تحت شروط العولمة ، و رأس المال المتعولم يبذل للخلق فرصة المساواة في الشقاء و في البؤس بحكم موقعهم من تناقض العمل و رأس المال( رحم الله كارل ماركس) و لا فرق فيه لعجمي على عربي أو على غيره الا بالقوة الشرائية و البيعية، غير أن الأوروبيين لن يتخلوا عن امتيازاتهم التاريخية المادية و الرمزية عن طيبة خاطر لمجرد أن منطق رأس المال المتعولم لا يأبه بالأعراق و الأنساب. لأ، الأوروبيون يحاولون عرقنة واقع العولمة بمقولات حرب الحضارات وحوار الثقافات ولن تسكن لهم جارحة حتى يؤمنوا لأنفسهم استمرارية الامتيازات المذنبة التي ورثوها من أباءهم و أجدادهم بذريعة رأس المال الكولونيالي.و الريميكس في هذا المشهد ما هو الا واحدة من الحيل الكثيرة لتسويغ السيطرة و الاستبعاد و تطييب الخاطر الأخلاقي النصراني الذي صار في حيص بيص.الريميكس هو أيضا محاولة لرسم صورة عكرة للقارة و لأهلها و لثقافاتهم ، صورة تسوغ للأوروبيين أن ينظروا للأفارقة يهلكون جوعا و عطشا و تقتيلا دون أن يروا في بلاء أفريقيا ما يثير العجب. و لم يتعجبون و الظلام الذي فرضوه على القارة يموّه عليهم رؤية أهلها السود؟ وثمة مثل افريقي( من تدبيري) يقول: من المستحيل رؤية رجل أسود في عالم مظلم بالذات حين لا يرغب أحد في رؤيته.و الصور العكرة لأهل القارة كثيرة لا يمر علينا يوم الا و تخرج علينا ألة البروباغاندا الأفريقانية فيها بجديد محير . و من بين الصور الأخيرة المحيرة ـ و أقول " محيرة" كونها انطلت على الأفارقة أنفسهم فوقعوا صرعى سحرها العجيب صورتان مهمتان سأعود لمحالجتهما بتأن ضمن براح لاحق. الأولى هي صورة " شجرة الحياة"، ذلك العمل الفني الذي أنجزه، بقطع السلاح المستعاد من الفلاحين ، بعض فنانين شباب من موزامبيق و عرض العمل بالمتحف البريطاني بلندن ضمن تظاهرة " آفريكا 5" في الموسم الأفريقي البريطاني.أما الصورة الثانية فهي صورة " كابوس داروين "، في ذلك الفيلم التسجيلي عن انعكاسات واقع العولمة و تردي البيئة الطبيعية و شقاء الأفارقة في تنزانيا.
الأخت ايمان
أبراهيم الجريفاوي و فاضلابي أقرباء آيديولوجيون و جماليون أعتد بهم و أعزهم و أن كنا لم نتقابل الا على صفحات الموقع. شكرا لكم جميعا على النظر الحديد و " الحي بلاقي".
النور يا أخانا الذي في الولايات
كان السبت أخدر
و الأحد سوق الكاملين
ثم جاء يوم الاثنين العبوس القمطرير
و هو كما تعلم يوم لا يخرج فيه الدابي من جحره
و الثلاثاء واقفين ليها الزنافلة
و الأربعاء سوق الكاملين ( تاني)
و الخميس قبل الجمعة
و الجمعة اجازة


و هكذا تتواتر الأيام و لا أجد فجوة في سد المشاغل أعالج فيها ما تيسر من أدب التصاوير و أنت أدرى..
تهنئني على وصول عملي لمراكز العرض الكبيرة و الما عارف يقول عدس.. و هذه قصة طويلة عمادها نوع غميس من سوء الفهم المقصود المتبادل. فأصحاب التشاشات الفنية العرقية يعرضون لنا ـ و يعرّضون بنا ـ لشيء في نفس يعقوب ، لكنهم لا يعرفون أننا نعرف حكايات يعقوب كلها، بل هم لا يعرفون أننا نعرف كونهم لا يعرفون بأننا نعرف.و سأحكي لك بعضا من مغامراتي اليعقوبية في براح قادم.و أنتظر حديثك عن مفهوم" الأيقنة" كون الامر في مشهدنا يستحق النظر.. و ما قولك في مخاطر أيقنة صورة أستاذنا محمود محمد طه مما نراه في معالجات احتفائية هنا و هناك؟
النور , هذا سؤال كنت أدّخره لعدد من أعداد جهنم لكني كما تعلم ، " شهرين سجن زاتو مافاضين"، فضلا عن كوني لاحظت أن المناقشة بين الاخوان الجمهوريين( النظاميين) صارت مبذولةللجميع. على كل حال معذرة ان أدخلك سؤالي في مخاطر الابتسار ، فخذ وقتك.
ياسر
كم أغبطك على هذا الاسم البديع يا أيها الرجل الياسر الشريف المليح.. الكلام في التلفان لا يشفي الغليل و لا بد أن نلتقي عينك عينك لنكمل ونسة انقطعت منذ ألف عام.
عبد الماجد
" ود أم زقدة " دي لي منها زمن فشكرا لك على هذه العبارة الكردفانية الجبارة ( و ما الـ " زقدة"؟ و قد بحثت عنها في قاموس اللهجة العامية و لم أجدها) و أنا ما زلت في انتظار عجز العبارة: " الطلوع قلقال و التدلي ..." و لا حياء في أدب الشعب.
الفاضل
يا رفيق" زمن النمتي" في داخليات ال أس تي اس
أراك " جرّيت لي الدال" و هذا لا يليق بك يا زول ، فما بيننا أقدم من الالقاب المريبة اياها و أنت طرف أصيل في كل ما قلنا و ما نقول.. المهم يا زول ، أنا ضد حوار الثقافات و لي في ذلك أسباب سأفصلها لاحقا. و الحاشية في اسم اللوحة باب للريح يستحق الفتح ، أما فكرة " الظاهرات التائهة " فهي فكرة جبارة تؤشر لقصور المنهج الآحادي في البحث العلمي و أتمنى أن تستطرد و تتوسع فيها بتفصيل أكثر بالذات ىفي ما يخص الجمالية التشكيلية. أيضا أحتاج لشرح أوفر لما تعنيه بالجماليات البحتة في عبارتك: " أعمال السودانيين الذين كرسوا فرشاتهم لجماليات بحتة. و لي تعريجات و معارضات أخرى و لي عودة.
حسن












أحاجي الموز
أو.. كيف تشرحون "الفنأفريقانية" لبناتكم؟
قبل الشروع في حكاية" أحاجي الموز" يلزمني تنويه سريع لشرح العنوان الثانوي ، فهو عنوان مستعار من سلسلة من الكتيبات التبسيطية لبعض الظواهر الثقافية القديمة و الحديثة ( الجمهورية ، الدين ، الايدز، الخ) التي دأبت بعض دور النشر الفرنسية على اصدارها في السنوات الأخيرة . و رغم أن هذه الكتب التثقيفية الصغيرة لاقت نجاحا وسط يافعة القراء الذين كانت السلسلة قد صممت لهم، ألا أن كفاءتها جعلتها تتجاوز جمهور الصبيان و البنات لتنتشر بين عدد كبير من القراء الراشدين.و ربما كان السبب المباشر في شعبيتها هو أن كتيبات هذه السلسلة انما يعهد بها في الغالب الى الكتاب و البحاث المتمكنين من موضوعاتهم و العارفين بأدواتهم، و ربما كان تفسير الامر يكمن في طبيعة الطلب التثقيفي القائم عند قراء راشدين لا وقت عندهم للغرق في المباحث الطويلة الرصينة التي تقتل موضوعها بحثا.المهم يا زول ، طاب لي أن أستعير العنوان في مقالة طلبها مني محرر مجلة " آرت 21 " الفرنسية المعنية بنقد التشكيل المعاصر.
Art 21 , Juillet Août, 2005No.3,
و الخطاب في المقالة موجه للقراء الفرنسيين الذين يتابعون قضايا الفن المعاصر الذي ينتجه الأفارقة على طموح شرح التركيب اللاحق بظاهرة " الفن المعاصر في أفريقيا" مما يسميه الأوروبيون " الفن الأفريقي المعاصر " و أسميه أنا اختزالا بـ" الفنأفريقانية".

الاثنين، ١ كانون الثاني ٢٠٠٧

Quel musée Branly?(débat artafricanisme)

Quel musée Branly ?


Le Musée du Quai Branly : Quelle(s) image(s) pour quel musée ?

Le Musée du Quai Branly :
Quelle(s) image(s) pour quel musée ?
Rencontre Les Jeudis de la Sorbonne du 3 mars 2006, avec :
Philippe Dagen : critique d’art au Monde et Professeur à l’Université Paris 1.
Maureen Murphy : historienne de l’art et enseignante à l’Ecole du Louvre.
Hassan Musa : artiste peintre et calligraphe, auteur et illustrateur de livres pour enfants et enseignant.
Germain Viatte : responsable du projet muséologique du Musée du Quai Branly.
Jessica Oublié, modératrice :
Le Musée du Quai Branly, souvent considéré comme le musée Chirac consacré aux Arts Premiers, a fait l’objet d’une polémique très houleuse du milieu des années 90 jusqu’à son actuelle construction. Faut-il faire une différence entre l’objet ethnographique esthétisé et ce que l’on pourrait appeler la scientificité de l’objet d’art ? De quoi parlerons nous au Musée du Quai Branly : d’art ou d’ethnographie ? Si le problème n’est pas simple, c’est qu’à celui-ci s’ajoute la question d’un département art contemporain dans lequel seront exposés des artistes dits non occidentaux. Mais sur quels modes et quels critères ces artistes seront-ils choisis et exposés ? Enfin, si la nature de ce musée peut paraître ambiguë en ce qu’il souhaite faire « dialoguer les cultures » d’une part, organiser des expositions thématiques pluridisciplinaires d’autre part, ou encore favoriser la recherche sur un plan international et développer des liens étroits avec des universités, en quoi le Musée du Quai Branly sera-t-il tourné vers ce que Jacques Chirac nomme « une ère post-coloniale » ? Quel type de public y sera attendu et surtout quelles relations seront entretenues avec les pays d’origine des œuvres présentées ?

Quai Branly Museum inspired a lot of images come to your mind when you think about it and its creation. Its name is linked to primitive art and Jacques Chirac. It’s also possible to think about this controversial media coverage, which opposed this institution to Human Museum. After a media “battle”, we will try to analyze the different reasons of the institutional silence around the creation of this museum from the 90’s up to now. What is the place of Quai Branly museum in cultural French landscape ? What kind of works could the public find in it ? Ethnographics objects or works of art ? What are the criterions, which define an artistic work ? Are those criterions usable for the analysis of all societies productions all around the world ? Is the Quai Branly a museum of art or of ethnography ? Can a museum of art expose the same objects than an ethnographic museum ?
First, it is because of the duality between artistic object and scientific object that the Quai Branly Museum controversy began. Secondly, it is the question of public, which turned out to be a problem. Which public is targeted by the Quai Branly Museum ? Researchers or art amateurs ? How will museography organize the meeting of different cultures ? Does cultural dialogue admit the circulation of works to new spaces of exhibition (different than Quai Branly Museum) ? Is it an alternative to the question of restitution of works to their native country ? If Quai Branly Museum is turned toward a post colonial area, will the showing of non occidental artists be granted a good place in its contemporary art section ? How will this section be integrated in the museum with regard to other sections of the museum ? To put it in a nutshell, which image the Quai Branly Museum would like to give to its public ?

Pour dépasser les positions art /anthropologie, pourriez-vous esquisser une genèse du projet de création du Musée du Quai Branly depuis le début du siècle en passant par l’ouverture du Pavillon des Sessions ?
Maureen Murphy : Il y a eu une polémique qui a été suscité par la création du Musée du Quai Branly et surtout par l’ouverture du Pavillon des Sessions au Louvre, où l’on a vu s’opposer les tenants d’une approche contextualisée au formalisme de Jacques Kerchache. On pourrait prendre parti pour l’une des deux positions mais cela ne ferait pas avancer le débat. C’est pourquoi le restituer dans une perspective historique permet de dépasser ces deux positions. L’enquête de Félix Fénéon qui se posait la question des arts non-occidentaux au Louvre durant les années 1920 est souvent citée à ce sujet. Pour comprendre le contexte des années 20 et surtout leurs enjeux spécifiques, il semble nécessaire de retracer l’histoire de la réception des arts non occidentaux, de la fin du dix-neuvième siècle à nos jours, afin de comprendre comment on est passé d’un statut pour ces objets de simple expression d’une réaction à un environnement donné, au statut d’objet de culture à celui d’objet d’art et même de chef-d’œuvre.
Tout au long du 19ème siècle et surtout pendant la seconde moitié du 19ème siècle, faits culturels et faits biologiques sont envisagés conjointement. Les productions culturelles sont considérées comme les prolongements du corps, comme l’expression de la race. Et selon les critères de la hiérarchie évolutionniste, les populations non occidentales sont considérées comme au bas de l’échelle de l’évolution. Dans cette optique leurs productions culturelles sont considérées comme l’expression d’un niveau de développement inférieur par rapport au stade sur lequel se situent les populations occidentales. Dans les musées, cette vision s’exprime d’un point de vue muséographique par une classification des objets qui part de ce qui est considéré comme le plus rustique jusqu’aux formes les plus complexes. Ce qui qualifie la muséographie de cette époque, c’est l’accumulation et l’utilisation de panoplies, de trophées, d’armes et d’objets pour dire la puissance de l’empire sur des populations non occidentales, et donc la domination de la civilisation occidentale.
Au musée du Louvre, on a une ouverture du musée de la marine en 1837 où sont exposés des objets que l’on rapporte d’Océanie, d’Afrique, aux côtés de maquettes de bateaux ou de ports, afin d’exprimer l’idée de faste de l’empire, de la nation. Ce musée est dédié au mouvement de l’industrie des peuples « sans cultures » grâce aux conquêtes navales. L’idée est de faire valoir la marine, les découvertes navales sur des peuples du côté de la nature, donc sans culture.
En 1850 est crée le musée ethnographique du Louvre, où se trouvent des objets de Chine, du Japon, d’Afrique, d’Océanie. On s’intéresse aux moeurs et usages et moins à l’idée de la conquête et de la supériorité occidentale. Une distinction se fait entre l’idée d’art exposé au Louvre, détaché des contingences de l’histoire, et les objets non occidentaux qui sont relégués du coté des mœurs et usages, de la fonction dans cette optique fonctionnaliste de l’époque. Les objets ici sont classés par provenance et par matière et pas mélangés comme au musée de la Marine. En 1850 est crée le Musée Américain au Louvre. S’ouvre un débat entre Jules Ferry et le conservateur des antiquités américaines par rapport au statut à donner à ces objets : le premier considère ces objets comme des témoignages historiques tandis que le second aurait préféré qu’ils restent au Louvre à côté des collections égyptiennes. En d’autres termes, il y avait déjà au 19ème siècle des débats sur la manière de classer ces objets en fonction de l’idée que l’on se faisait des cultures.
A la fin du 19ème siècle, il y a une remise en question à la fois dans la discipline anthropologique mais aussi en Histoire de l’art. On glisse de cette forme d’appréhension à une forme d’humanisme. On prend en compte les objets non occidentaux comme productions culturelles. Les muséographies changent aussi. Dans les années 20/30, des galeries privées présentent des objets sous l’angle de l’art. Exemple de l’exposition à la Galerie du Théâtre Pigalle en 1930 où les objets sont individualisés et présentés non selon une provenance géographique et chronologique mais pour leur impact plastique.
Comment expliquez vous cette évolution vers un respect des identités culturelles et de la provenance dans la mise en exposition au Pavillon des Sessions et au Musée du Quai Branly ?
Maureen Murphy : Dans les années 30, on commence à envisager ces objets sous l’angle de l’art, mais la vision raciale n’est pas oubliée, on a une stratification des regards qui se fait progressivement. Pour citer Waldemar Georges qui dans les années 30 s’insurge contre l’engouement des artistes : « l’art nègre doit être envisagé du point de vue de la perfection formelle et non dans la mesure où il est exotique et sauvage ». Le fait de l’envisager sous l’angle de l’esthétique ne doit pas annuler tous les autres points de vues. Aujourd’hui, le contexte est différent, on ne contre plus l’évolutionnisme et le darwinisme. Toutefois, l’accrochage du Pavillon des Sessions peut sembler quelque peu dérangeant car il est plus révélateur d’un certain goût occidental que d’une réelle prise en compte de la diversité des productions culturelles de ces pays. Je pense qu’au Musée du Quai Branly la présentation sera différente du Pavillon des Sessions mais le public s’attend à ce que cela soit le contraire.
On parle du Pavillon des Sessions comme étant la vitrine du Musée du Quai Branly au Louvre, qu’en est-il ?
Germain Viatte : Je voudrais rappeler que cette situation de la hiérarchie des arts ne s’étend pas seulement à l’opposition de l’occident et du non occidental. De même que la muséologie ne se distinguant pas comme on pourrait le croire ici en parlant de ce sujet : d’un côté le bazar des cultures non occidentales et de l’autre une muséologie absolument claire. Il suffit de se rappeler de ce qu’était le cabinet du Sommerard pour se rendre compte que l’accumulation, la juxtaposition, le mélange des genres, notamment pour les arts décoratifs mais pas seulement, étaient une sorte de règle dans la muséologie du 19ème siècle. L’autre chose qu’il faut rappeler, est que tout le débat de l’art est un débat autour de la notion d’académie. Cette notion est fondée sur la renaissance et le retour au monde antique. Et tout ce qui est extérieur à ce débat devient autre, lointain et à la limite inquiétant. Et c’est vrai aussi pour le Moyen Age. Dans la terminologie, quand on évoque le “primitif français”, on se réfère aux gens de l’avant Renaissance, avant le retour à l’Antique.... Il faut se garder d’une vision manichéenne ou une position un peu simpliste.
Le Pavillon des Sessions n’a jamais été la vitrine du Musée du Quai Branly. Le Pavillon des Sessions s’inscrit dans une sorte de stratégie qui s’est constituée peu à peu dans l’esprit de jacques Kerchache. Son idée consistait en l’égalité des cultures et le retour (ou présence) au Louvre de cultures non occidentales. Cette inscription à l’intérieur du Louvre est réduite en surface et dans son concept puisque c’était exclusivement dans le choix de Kerchache des sculptures et précisément pour essayer de trouver un point d’égalité entre les différents éléments. Ce n’est donc pas une préfiguration mais une étape. Etape d’ailleurs très précieuse car cela aura contribué à changer la perception d’un certain nombre de personnes qui croyaient que ces arts là n’avaient pas d’histoire, qu’ils n’avaient pas de règles spécifiques, qu’il y avait peu de différences entre ce que l’on pouvait montrer au marché de Maubert et ce qui pouvait être présenté au Louvre. Bref, on a réintroduit une certaine distance à tous points de vue.
En tant que premier relais vers le grand public, quelle a été le rôle de la presse et du Monde surtout dans ce que l’on a appelé la polémique du Musée du Quai Branly ?
Philippe Dagen : Le mot polémique me semble excessif. Je ne peux pas répondre au nom de la presse mais tout au plus au nom de quelques amis qui écrivent avec moi au Monde. Rétrospectivement, je porte un regard extrêmement partagé sur les conditions médiatiques qui ont entouré les créations du Pavillon des Sessions et du Musée du Quai Branly. J’ai fait l’expérience de la réticence, pour ne pas dire de la mauvaise volonté, avec laquelle un certain nombre de conservateurs du Musée du Louvre, au moment où le projet du Pavillon des Sessions commençait à prendre forme, accueillaient l’idée même que des objets venus d’Afrique ou d’Océanie ou d’autres parties du monde, soient présentés dans les mêmes salles que la Vénus de Milo ou la Victoire de Samothrace. J’ai entendu à ce moment là des propos qui sous-entendaient que ces objets n’étaient pas dignes du même intérêt qu’un Fragonard ou un Georges de La Tour.
De ce point de vue, la création du Pavillon des Sessions pouvait apparaître comme une mesure à caractère essentiellement symbolique, plutôt heureuse. Ayant été prié d’assister au premier dimanche d’ouverture du Pavillon des Sessions au public, je me souviens avec un certain amusement, de la mine déconfite de certains et de la jubilation d’autres.
Il existait à l’époque dans le jargon journalistique, un ventre de Une, un papier de 150 lignes environ que l’on mettait en première page avec un effet d’affichage. Le Musée du Quai Branly avait appelé la rédaction du Monde afin que le reportage que j’avais rédigé sur ce dimanche soit le ventre de Une du lundi. Il y avait là une volonté de présentation, d’affichage. Ceci étant, j’ai énormément de réticence par rapport au mode de présentation du Pavillon des Sessions. Je ne suis que partiellement d’accord avec la manière dont l’histoire de cette muséographie a été esquissée. Jusqu’à présent Maureen Murphy et Germain Viatte, ont donné une vision assez soft des choses.
Germain Viatte a raison de dire que la muséographie de style bazar était un acquis ou une tradition du 19ème siècle français, européen et américain. Le fait que le musée présente pêle-mêle des objets de différentes origines et de différentes significations, était une tradition. Nous sommes en 2006. A partir de quand a-t-on commencé à porter un regard de nature artistique sur ces objets venus de ces civilisations que l’on appelle toujours non-occidentales ? Il y a exactement un siècle.
1906 c’est la date du séjour de Derain à Londres. Visitant le British Museum, il tombe sur des objets venus de Nouvelle Zélande. Il écrit une lettre à Matisse dans laquelle il lui explique qu’il vient de voir là quelque chose d’absolument étonnant. Donc, en 1906, porter un regard de nature artistique ou esthétique sur ces objets apparaît comme un évènement qui à un caractère de rupture. Celui-ci est le fait d’un artiste. Ce n’est pas le fait d’un ethnographe, ce n’est pas le fait d’un anthropologue, ce n’est pas le fait d’un politique à plus forte raison. Tant qu’il est question de ces objets que naturellement on collectionne (Musée du Trocadéro, musée de Tervuren), se développe toute une littérature faisant objet de classification.
Dans le catalogue d’exposition de Tervuren, on lit qu’il ne saurait en aucun cas y avoir une manifestation de sens esthétique chez les nègres. Il y a deux choses : Certes, la tradition du pêle-mêle existait et le musée du Trocadéro était un exemple flagrant mais où l’on ne traitait pas plus mal l’Afrique, l’Océanie, la préhistoire et certaines périodes archéologiques. Il y a d’autre part, et il a fallu attendre les années 20/30 pour que cela commence à changer, pour que l’on commence à qualifier artistiquement des objets qui avaient la valeur de fétiches.
Pour en revenir au Pavillon des Sessions, ce qui continue à me gêner dans sa présentation, c’est qu’on est passé d’un extrême à l’autre. Le Pavillon des Sessions est une présentation de chefs d’œuvres. Qu’est ce que cela veut dire par rapport au regard que l’on porte sur des objets ? Qu’est ce que cela veut dire par rapport au regard que l’on porte sur une culture dont ils sont issus ? Est-ce que c’est justifié de présenter à quelques mètres de distance des objets qui viennent du Niger, de l’Ile de Pâques et d’autres des Etats-Unis ? Il me semble que l’on simplifie la question à l’extrême. Après une période où ces objets n’étaient considérés que comme des curiosités relevant de superstitions contre lesquelles naturellement l’Occident s’était élevé, on est passé à l’extrême inverse : ce sont de belles choses. Je crois que ce ne sont ni des objets de superstitions ni de belles choses et que l’on ne peut pas s’en tenir à ce genre de définition.
Germain Viatte : Le regard (ce sera l’un des 1ers grands sujets du Musée du Quai Branly) a beaucoup évolué du 16ème siècle jusqu’au 19ème, qui a quand même beaucoup contribué à tout catégoriser sur un fond d’expansion coloniale. On peut trouver aux 16ème, 17ème et 18ème des réactions de fascination sans avoir le caractère « raciste » que le 19ème a développé. Bien sûr les artistes ont joué un rôle essentiel dans tout cela. Et cela commence avec Gauguin qui s’intéresse aux formes et va tenter de vivre une sorte d’aventure personnelle en rupture avec l’évêque, le gendarme... Cela s’inscrit encore dans une volonté de rupture avec l’académisme.
J’aurais tendance à penser que ce qui compte par rapport au Musée du Quai Branly c’est l’invention formelle, le savoir faire, et que la notion de chef d’œuvre s’inscrit dans un degré de perception qui peut être observé dans ces différents registres. Encore une fois, Jacques Kerchache avait choisi la sculpture pour réduire le débat et faciliter la comparaison. L’initiative du Président Chirac est parfaitement claire avec le Pavillon des Sessions, même si elle se dilue un peu avec la mise en place d’une grande collection nationale ancienne à laquelle on essaie de donner d’autres perspectives. Le Pavillon des Sessions est véritablement un manifeste qui a été perçu de façon très positive par les représentations diplomatiques des différents pays concernés.

Qu’en est il de l’évolution du projet muséologique du Musée du Quai Branly et surtout comment celle-ci a-t-elle mené à l’idée de construction d’un secteur art contemporain ?
Germain Viatte : La muséologie n’est qu’un aspect d’une institution qui s’inscrit dans l’évolution des musées. Cette institution est une institution à facettes multiples. Elle l’est parce qu’elle se sent aussi l’héritière du passé. Il y a dans cet héritage du passé, ce que le Musée de l’Homme avait inscrit comme une dimension universitaire forte au sein de son programme. La polémique dont vous parliez tout à l’heure était un des éléments de cette affaire. Un marchand va exposer ces objets dans un musée, ils ne seront plus étudiés, qu’adviendra t-il de la recherche ? C’est un ensemble. Et dans cet ensemble, il y a une étape déterminante, c’est le choix du projet architectural. La muséologie est une chose complexe et se présente de façon globale. Pour moi, la muséologie commence sur le Quai Branly même car Jean Nouvel l’a voulu comme cela. Il y a le grand mur de verre, un bâtiment, un jardin, la rue de l’Université. Donc on a tout un parcours. Par le biais de ce parcours, l’architecte, sur la foi d’un programme qui lui a été donné, a essayé de proposer une approche différente des contenus de ce lieu. Dans cette approche, il a voulu dans un rapport très fort avec la nature, inscrire ce lieu dans un feuilleté d’arbres, de hautes tiges, avec le jardin de Clément. Il y a comme une volonté de mise à distance, où l’on trouvera un certain nombre d’œuvres traditionnelles ou contemporaines. Et puis il y a l’aspect scientifique, la présence de la bibliothèque, la présence de salles de cours, la présence de l’action culturelle, etc.
Maureen Murphy : L’architecture me fait penser à un autre projet qui a suscité les mêmes débats : la Bibliothèque Nationale de France. Ce sont deux projets présidentiels qui ont fait l’objet de décisions prises assez brutalement mais qui s’inscrivent dans une continuité historique. Deux projets présidentiels. Deux architectes à personnalité forte et proches des présidents. Et deux projets d’un point de vue de l’architecture qui sont à la fois antithétiques et symboliques d’une opposition nature / culture assez révélatrice. La Bibliothèque Nationale de France incarne l’idée du temple dont il faut gravir les marches pour atteindre le savoir ; une architecture qui est basée sur la culture livresque incarnée par les quatre tours en forme de livres ouverts ; et enfin cette idée d’une nature emprisonnée sous grille, les buissons sous grille, la fosse avec les arbres emprisonnés. A la Bibliothèque Nationale de France demeure une vision de la culture qui est à la fois de l’ordre du sanctuaire, de l’ordre du couvent et du sacré, et une importance de la culture livresque avec une maîtrise de la nature.
Au Musée du Quai Branly le traitement de l’architecture est différent. Il y a une vision de la nature qui se développe sur trois niveaux avec un panneau de verre sérigraphié qui donne sur la rue. Un bâtiment qui joue du mystère, que le spectateur découvre progressivement, et les façades sérigraphiées du bâtiment évoquent des paysages. Ceci est le parti pris d’un architecte, c’est une vision romantique et exotique. On est en droit de se demander où sera la place de l’urbain et du contemporain dans ce bâtiment. Mais peut-être sera-t-elle à l’intérieur ?
Toutefois, ces deux projets sont révélateurs d’une conception d’un rapport nature / culture peut-être un peu dépassé. Cela traduit une image bien spécifique des cultures représentées au Musée du Quai Branly.

Le Musée du Quai Branly a pour projet de développer un secteur d’art contemporain. Deux artistes déjà ont été contactés par Germain Viatte pour exposer lors de la prochaine ouverture du musée. Il s’agit de Romuald Hazoumé et de Shonibare, artistes contemporains africains ayant exposé lors de l’exposition Africa Remix au Centre Pompidou. Hassan Musa, vous êtes un artiste contemporain, vous êtes soudanais et vous avez également exposé l’une de vos œuvres à Africa Remix. Vous êtes régulièrement sollicité par des commissaires pour exposer dans des expositions collectives reposant sur un concept identitaire. Est-ce ce que l’on appelle l’africanité vous interpelle et surtout comment répondriez-vous à une proposition du Musée du Quai Branly sollicitant l’exposition de certaines de vos œuvres ?

Hassan Musa : Je dirais tout de suite « oui ». Prenez-moi s’il vous plaît Monsieur Viatte, Je suis un artiste. Je dis toujours que je suis un artiste tout court. Mais je sais que lorsque je suis invité, quelque part c’est pour ma qualité d’artiste africain. Mais cet artiste africain disparaît progressivement car je me retrouve à exposer aux côtés d’artistes qui ne sont pas tous africains. Et comme je suis de la partie arabophone du Soudan, j’expose souvent aux côtés d’artistes magrébins, ou du monde arabe, l’Orient ou l’Islam. Parfois, je suis un artiste non occidental. Mais c’est un terme que les gens utilisent entre guillemets. Toutefois, je sais que je suis ici aujourd’hui en tant qu’artiste non-occidental. Donc, on n’y échappe pas. Par contre, j’ai découvert que j’étais un artiste dit « non-occidental » lorsque je suis venu pour la première fois en Europe à la fin des années 70. Avant cela, je croyais que j’étais un artiste, c’est-à-dire un héritier du bien commun de l’humanité. En arrivant en Europe, j’ai progressivement découvert que j’étais un artiste non-occidental, fait qui m’a beaucoup perturbé. Car quand on arrive avec une idée de soi et qu’on s’aperçoit que les gens vous renvoient une autre image que celle à laquelle vous pensiez appartenir, vous vous retrouvez au cœur d’un malentendu. C’est pourquoi, lorsque vous me demandez ce que je pourrais répondre au Musée du Quai Branly s’il me proposait d’exposer : c’est oui. Je pense vraiment que ce jeu de relation entre les institutions et les artistes repose sur un malentendu. Toute cette histoire là est une succession de malentendus, entretenue de manière délibérée car beaucoup de personnes y trouvent leur compte.
J’écoute ce qui se dit depuis le début de la conférence avec beaucoup d’attention et parfois, la discussion me semblait très exotique et parfois trop complexe. D’ailleurs ce que j’avais prévu de dire est parti en éclat. Je retiens ces trois axes : l’Occident, l’identité et le dialogue entre les cultures. Ce sont des idées extraordinaires, de véritables machines de guerre, et on tourne autour.
Premièrement, je suis un parfait héritier de l’Occident. Car pour moi c’est ma culture. J’ai été élevé au Soudan, j’ai étudié aux Beaux arts de Khartoum. J’ai quitté le Soudan à l’âge de 28 ans et quand je suis arrivé en France la première fois, je suis allé au Louvre, au Centre Pompidou... Seulement dans le but de vérifier si tout ce que j’avais appris, que je connaissais par cœur grâce aux reproductions, se trouvait bien là. Et je me souviens de ma déception en voyant un nu de Matisse que j’avais aimé en reproduction. La couleur me semblait mal apprêtée. Mais je ne suis pas non plus un artiste occidentalisé, je suis un artiste occidental. Je pense que l’Occident s’est imposé et qu’il a imposé ses repères partout. L’Occident est partout et celui-ci est un univers sans frontière. Que l’on soit orientaux, africains, latinos ou asiatiques... Nous baignons tous dans cet Occident. Cet Occident qui a avalé tout le reste, tous les autres mondes, j’en hérite tout comme vous.
C’est comme lorsque l’on hérite d’une maison et que l’on ne sait pas ce qu’il y a dedans. On se dit propriétaire de tout mais en ouvrant les placards, on retrouve des cadavres. Et bien moi, j’essaie simplement de récupérer la part du butin qui m’intéresse et s’il y a un cadavre dedans, je le prends, je l’enterre et je continue. Les cadavres dans l’héritage occidental sont aussi nombreux que ceux qui se trouvent dans d’autres cultures.
J’ai été élevé dans une tradition arabo-musulmane et je sais très bien qu’il y a beaucoup de cadavres dans ce placard là, et j’essaie de les éviter. Dans cette posture là, je crée à chaque fois le malentendu lorsque l’on me présente comme appartenant à une société, à un groupe ethnique ou à une civilisation... Je me dis aussi que ce type de discussion est parfois un peu exotique. Exotique mais à la fois nécessaire. On se pose des questions sur pourquoi l’Occident qui se dit universel, découvre qu’il y a des peuples, des cultures, des gens qui ne sont pas encore intégrés. Alors que fait-on d’eux ? On essaie de leur inventer une identité. Mais c’est un acte dangereux, car cela implique des classifications. Aujourd’hui, on ne sait pas où mettre ces artistes que l’on a défini comme non-occidentaux. Alors on décide de les mettre dans un musée avec les objets ethnographiques. Très bien, si c’est le seul endroit où l’on peut les voir. Quand le président Chirac demande à Daniel Buren de l’accompagner en voyage officiel en Chine pour réaliser une installation, c’est un autre malentendu. Car on sait très bien qu’il ne s’agit pas là d’un dialogue des cultures mais d’une stratégie pour récupérer des parts de marché.
Le musée a toujours été une machine de guerre culturelle et civilisationnelle. Et cela, tout le monde le sait. A côté de chez moi à Domessargues, il y a un petit village où il n’y a même pas de boulangerie mais un musée du fer à repasser, où quelqu’un tient un discours sur le patrimoine. Je ne sais pas comment on se sort de ce malentendu, mais une chose est sûre, c’est qu’il est confortablement entretenu.
Peut-être que les autres intervenants veulent rebondir sur les questions que se pose Monsieur Musa sur la place des artistes dits non-occidentaux dans nos institutions culturelles et plus précisément au Musée du Quai Branly. Comment s’effectuera le passage d’un secteur ethnographique à un secteur tout autrement artistique puisqu’il y aura aussi une salle de concert, de spectacles, au sein de cette grande institution ?
Germain Viatte : Je suis convaincu que l’esprit de classification dans les domaines qui nous intéressent est absolument effrayant. Dans le domaine de l’art contemporain, ce n’est plus le non-occidental ou l’africain, mais l’homme de 50 ans et l’esthétique x ou y qui se trouve tout d’un coup mis hors circuit. Si j’en reviens à un certain pragmatisme, c’est parce que j’ai apprécié l’attitude que vous avez définie. J’aurais tendance à penser que les musées peuvent devenir parfois, je ne le crois pas trop, une sorte de lieu idéologique peut-être, et économique sûrement. Mais je crois avant tout que c’est un outil. Un musée est un outil de transmission du patrimoine qui a été rassemblé, là en l’occurrence sur plusieurs siècles, et sur lequel nous avons une responsabilité. C’est d’autant plus vrai lorsqu’il s’agit de patrimoine venant de cultures qui ont été pour lemoinsdéstabilisées,oùtrèssouventcepatrimoineadisparu,ou est en cours de disparition. Dans la culture occidentale, il y a une volonté de conserver, transmettre, étudier des patrimoines anciens et universels. C’est ce à quoi j’adhère. L’outil en question doit d’abord être mis en œuvre et ensuite on doit savoir l’utiliser.
En ce qui concerne l’art contemporain, nous avons hérité d’une certaine prudence dans l’approche des choses. Car nous étions très soucieux de ne pas donner le sentiment précisément que nous revendiquions une partie du monde au titre de l’art contemporain. Les artistes n’ont aucune envie de se retrouver sous une bannière, dans une classification qui, quoi qu’on fasse, perdure. Et je ne crois pas qu’un objet puisse être qualifié d’ethnographique. Après tout qu’est-ce que signifie un objet ethnographique ? C’est une sorte d’étiquette abusive attribuée à un objet. Un objet reste un objet. Il est libre et on peut l’étudier de différentes façons. Cette diversité des propositions artistiques du Musée du Quai Branly se réfère à cette intention là. C’est-à-dire de pouvoir aborder physiquement dans un espace donné, des objets qui sont très familiers pour notre perception. Sous prétexte de certaines peurs de l’exotisme, il ne faut pas oublier la singularité de ces cultures et de ces objets. Il y a donc une sorte d’exercice pour en même temps ouvrir le regard et en même temps faire connaître les œuvres.
Philippe Dagen : Je vais revenir d’une manière prosaïque sur la situation des artistes contemporains africains. Il existe dans l’art actuel un certain nombre d’instruments de mesures statistiques et numériques dont certains ont servi à l’enquête d’Alain Quemin sur les pays prescripteurs en art contemporain, enquête commanditée par le Ministère des Affaires Etrangères il y a quelques années. Alain Quemin s’était servi pour mettre au point son enquête d’indicateurs financiers, de ventes aux enchères, du Kunst Kompars de la revue allemande Kapital... La conclusion à la fois très simple et prévisible à laquelle il est arrivé, est que l’art africain n’existe pas. En quelques termes que vous regardiez, il n’y a pas de visibilité au plan international à l’heure actuelle pour les artistes venus d’Afrique.
Le Kunst Kompass, qui est un instrument de mesure annuellement réactualisé, se fait fort de citer de 1 à 100 les artistes qui dans l’année écoulée ont été les plus vendus, le mieux montrés, le plus commentés... Tout se joue entre deux pôles, les Etats-Unis d’une part et l’Allemagne d’autre part, qui à eux deux correspondent à environ 80% du théâtre actuel de l’art, à parts égales ou approximativement égales. Dans ce système là, qui est la réalité du marché mais aussi la réalité des expositions, la manière dont les artistes venus d’Afrique sont non pas marginalisés mais purement et simplement oubliés, ce qui vient tempérer un discours universaliste.
Pour en revenir au discours universaliste que vous teniez Hasan Mussa, c’est tout à fait magnifique. En même temps, par rapport à la réalité de la situation et à la réalité de la visibilité qui peut être faite aux artistes, c’est un discours qui a la splendeur de l’utopie. Donc il faut peut-être en tenir compte. Est-ce que le Musée du Quai Branly a vocation de montrer des artistes contemporains, je ne sais pas. Ce que je sais en tout cas, c’est que la situation de l’art contemporain est calquée sur un rapport de force économique. Il y a des préférences nationales en terme artistique et des préférences continentales, et le grand jeu de l’art actuel se joue entre les puissances financières politiques et culturelles, qui ne sont des puissances culturelles que dans la mesure où elles sont des puissances politiques et économiques. Par rapport à cela, les artistes, qu’ils viennent du Soudan ou du Cameroun, ont un poids secondaire sur le plan international. Donc on peut tenir un discours de principe, mais celui-ci est amené à se cogner à la réalité des faits.
Donc on en vient, soit à accepter plaisamment, comme vous le faisiez sous le ton de l’ironie, une proposition d’exposition qui ne vous a pas encore été faite, soit à faire des expositions comme Africa Remix, qui est probablement à bien des égards discutable sur son mode de présentation et de sélection, mais qui relève à mes yeux purement et simplement d’un exercice de contrition pour se donner, une fois par décennie, une relative bonne conscience par rapport à une partie du monde dont les questionnements artistiques au bout du compte ne sont pas pris en considération.
Selon vous, Monsieur Viatte, les publics d’un musée ethnographique peuvent-ils être les mêmes que ceux d’un musée d’art contemporain ? Est-ce en raison d’un fantasme concernant une parenté avec l’originel que les artistes non-occidentaux ont droit de cité au Musée du Quai Branly ?
Germain Viatte : Tout d’abord, je voudrais répondre à ce qui vient d’être dit par Monsieur Dagen et dire que son constat est tout à fait indiscutable et à la fois scandaleux. Il n’y a pas que les artistes africains qui en souffrent. Lorsque j’ai organisé Présence polonaise, aucun des artistes exposés n’était connu. Donc je pense qu’il ne faut pas avoir de point de vue fataliste. Des essais comme Africa Remix tentent de revenir sur une situation pour le moins déplorable.
Pour répondre à votre question, je pense qu’il faut être assez subtil dans l’approche, se garder de principes et à priori, être équilibré dans notre manière de montrer l’Afrique, l’Océanie... Certes, on le fait peu, mais il ne faut pas trop le déclarer, car nous sommes sur un terrain qui évolue rapidement et sur lequel il faut rester vif. Espérons que le Musée du Quai Branly gardera cette vivacité de réaction et que par rapport à sa situation géographique, stratégique, avec en face le Musée d’art moderne de la ville de Paris, le Palais de Tokyo, le Théâtre de Chaillot, il y a quelque chose de l’ordre de la connivence qui fait que l’information circule.
Comment expliquez vous qu’après une exposition comme Africa Remix au Centre Pompidou, il n’y ait que les œuvres de Chéri Samba, El Anatsui, Shonibare et peut être prochainement Barthélémy Toguo qui aient été achetées. La question est, était ce vraiment au Musée du Quai Branly d’accueillir ces artistes ? Cela n’induit-il pas un discrédit de leur contemporanéité au profit de leur identité culturelle ?
Maureen Murphy : Je pense qu’il ne faut pas caricaturer non plus. L’art contemporain est visible partout aujourd’hui. Il est donc intéressant d’avoir un dialogue entre des collections historiques, anciennes, et des collections d’art contemporain comme on le fait au Louvre par exemple. Ce sera évidemment intéressant d’avoir des artistes contemporains au Musée du Quai Branly quelque soit l’origine des artistes invités qui viennent dialoguer avec les œuvres. Mais est-ce que le parti pris du Musée du Quai Branly est d’inviter des artistes de même origine que les œuvres des collections, ou bien de seulement les inviter quelque soit leur origine pour leur qualité d’artiste ? Par contre le risque de tomber dans l’exotisme est grand, tout comme le Musée Dapper en a fait les frais.
Germain Viatte : On peut effectivement faire la liste des risques, comme on peut difficilement juger un musée qui n’est pas encore ouvert. C’est précisément pour cela que je plaide pour la représentation de différents types de manifestions artistiques venues du monde entier, mais malgré tout dans une certaine logique avec les contenus de l’établissement. Je crois que l’inscription de l’art contemporain dans des lieux qui ne sont pas initialement fait pour la réception de l’art contemporain prend une signification.
Philippe Dagen : Mon point de vue est très simple. Mon intervention avait pour but d’insister sur le fait que les artistes vivent et travaillent. En d’autres termes, commencer par faire un état des lieux de la situation économique et marchande est nécessaire. Et il ne sert à rien de se boucher le nez en disant que tout cela pue le fric car, malgré tout, il s’agit de la réalité quotidienne des choses qui se joue dans ces termes là.
Monsieur Musa, vous êtes certainement le mieux placé pour répondre à cette question relative à votre identité artistique mêlée à votre identité culturelle. Vous est-il plus souvent proposé d’exposer sous couvert de votre identité africaine ? Et cela vous demande t-il de redoubler de ruse, d’attention ou encore de vigilance pour pouvoir exposer ?

Hassan Musa : Je voudrais tout d’abord rebondir sur ce qui a été dit par Monsieur Dagen sur le rapport Quemin. Ce rapport est un outil de mesure mais le problème est qu’il contient une certaine ambiguïté. Les artistes existent avant tout en tant qu’individus. Ce sont des créateurs. Quand ils sont achetés sur le marché, ils sont achetés en tant qu’individus créateurs. Le problème que pose le rapport Quemin est que chaque pays achète d’abord des œuvres d’artistes natifs. C’est un problème parce que la France par exemple n’achète pas l’art français. Est-ce que les artistes dits français sont vraiment français ? Qui distribue ce label ? Je trouve que c’est ambigu de parler des artistes en se référant à leur identité nationale. Cela fait vingt ans que j’habite en France, cela fait-il de moi un artiste français ? C’est là que les artistes français peuvent rejoindre les artistes africains en ce qu’ils se retrouvent en position de minorité ethnique quelque part. Je pense que nous sommes piégés par ces regards là sur les artistes. On est dans la situation de l’histoire de la banane.
L’histoire de la banane est un conte africain. C’est l’histoire d’un petit garçon qui mange une banane avec son grand père et qui lui demande : « papy, ce fruit que nous mangeons, pourquoi on l’appelle banane ? ». Surpris, le grand père répond : « d’abord parce que ça ressemble à une banane, ensuite parce que ça a le goût d’une banane, et d’ailleurs tout le monde l’appelle banane ». Autrement dit, mon problème à moi c’est que je ne ressemble pas à une banane et que je ne ressemblerai jamais à une banane française, allemande, etc. Il y a beaucoup d’artistes qui comme moi sont nés en Europe, comme Shonibare qui est né à Londres. Son expérience est celle d’un britannique. Cet artiste comme d’autres n’ont rien à voir avec l’Afrique. Moi j’ai vécu jusqu’à vingt-huit ans en Afrique mais dans ma tête j’ai toujours été ici, je n’ai jamais vécu en Afrique. C’est le regard de l’Autre qui me renvoie à une image d’artiste exotique.
Avant de conclure, nous pourrions parler de la campagne d’affichage qui témoigne dans un sens, d’une volonté de faire dialoguer les cultures.
Germain Viatte : Au sujet des campagnes d’affichage du Musée du Quai Branly "Les cultures sont faites pour dialoguer", je dois vous avouer que je n’ai pas beaucoup aimé cette campagne là. Je crois effectivement que les cultures sont faites pour dialoguer mais je ne suis pas sûr que cette image donne un sentiment de dialogue. Je suis un peu gêné par l’idée que nous ayons choisis une place royale, où ait été enlevé l’obélisque de Luxor afin que lui soit substitué un Moai. En plus, comme j’ai l’esprit relativement précis, cela m’ennuie que le Moai en question ne soit pas au Musée du Quai Branly. Cette place déserte est une contre image en ce qu’elle laisse peu de place au dialogue.
Hassan Musa : Personnellement, le dialogue entre les cultures me fait peur. Parce que quelque part, je pense qu’il s’agit de l’autre versant de la guerre des cultures. Cela suppose qu’il y a des entités culturelles qui sont indépendantes et entières, qui se font face et qui peuvent dialoguer. Et lorsqu’elles ne peuvent pas dialoguer, elles se retrouvent dans une situation de confrontation, de guerre. D’ailleurs, je pense que toute cette histoire de dialogue entre les cultures est une histoire assez suspecte. On suppose qu’il y a un dialogue entre les cultures, et pour cela on va me chercher moi en tant que représentant d’une culture pour que je dialogue avec le représentant d’une autre culture. Ce qui se passe dans ce contexte de dialogue entre les cultures c’est que ces personnes se font les portes paroles de cultures précises. Mais ce sont des catégories d’ordre social, qui ne sont ni éthiques ni culturelles. Nous partageons tous aujourd’hui la culture de marché, c’est-à-dire la version capitaliste de la culture occidentale. Ce dialogue entre les cultures vient d’une volonté de faire naître la paix dans le monde, mais surtout de la prétention des cultures à se trouver des représentants capables de dialoguer avec d’autres cultures. Mais est-ce légitime, je ne sais pas.
Les questions du public :
- Depuis quelques temps, il y a une espèce de mauvaise conscience collective en France, tandis que l’Etat dit plutôt s’engager dans un drôle de jeu de justification. Cela passe, par exemple, par des programmes scolaires où l’on essaie d’introduire de manière législative les bons points de la colonisation. Votre responsabilité tient peut-être à l’aspect muséographique des choses, et je voulais savoir s’il était possible de déjouer ce type de processus ?
Germain Viatte : Le Musée du Quai Branly a la responsabilité de ces 300 000 objets. Dialogue ou pas, les cultures sont très mélangées. La réponse à votre question se trouve dans le respect du travail que l’on a à faire et des objets que l’on a à présenter et vis-à-vis de ce que cela peut induire par rapport à notre propre communauté très mélangée, qui à l’heure de la mondialisation rend cet état de fait très général. Quand on a un certain nombre d’objets à présenter, issus de cultures traditionnelles, le fait de pouvoir présenter des fragments de civilisations, de le faire avec respect et d’en montrer les qualités est un acte de réflexion positive. Cette notion de respect peut se transmettre à des personnes qui seraient tentées de ne pas avoir de respect par rapport à leurs propres origines. Il est extrêmement important de voir que, effectivement, il y a une égalité de position des hommes sur la terre à travers tous les avatars de leur propre culture.
- Quel est le découpage du monde que le Musée du Quai Branly propose ?
Germain Viatte : Le Musée de l’Homme se voulait universel. L’un des points du Musée du Quai Branly était de ne pas inclure les collections européennes, qui étaient très disparates. D’autant que l’on sait aujourd’hui que les musées qui ont à définir l’Europe ont beaucoup de mal à le faire. Le Musée du Quai Branly présente avant tout le monde en dehors de l’Europe. Il s’intéresse surtout aux sociétés traditionnelles avant et après le contact. Mais les collections contiennent des objets issus des temps tout à fait présents. Il s’est posé à moi la question de la thématique, mais je ne suis pas pour toujours tout traiter sur un plan thématique, à la différence du géographique qui permet au moins de savoir où l’on se trouve. L’intérieur du parcours permanent, dit « de référence », est géographique, et en fonction du contenu des collections il devient thématique.
- Benoît de L’Estoile, Anthropologue et enseignant à l’EHESS : La grande chance du Pavillon des Sessions est qu’il se soit trouvé des gens d’arrière garde au musée du Louvre, pour permettre de faire passer un projet d’avant-garde dans les années 20 et d’arrière garde au moment où il a été construit. L’autre chose qui me semblait importante à dire, c’est qu’il y a des différences considérables entre le musée d’ethnographie du Trocadéro en 1878, le Musée de l’Homme en 1938, le Musée des Arts Africains et Océaniens en 1960 et le Musée du Quai Branly aujourd’hui. Mais ils ont tous un point commun en ce que tous ces musées sont les musées des autres. C’est ce qui est le plus étonnant dans la construction du Musée du Quai Branly : lorsque j’en parle à des collègues d’autres pays, c’est le fait de construire aujourd’hui un musée des autres. La question de l’art contemporain est du côté de l’art contemporain des autres. Il faut selon moi être pragmatique, comme Hassan Musa, et se dire que de toutes façons ce musée va être une opportunité formidable. L’enjeu effectivement aujourd’hui est de passer du musée des autres tel qu’il a été conçu au départ pour devenir éventuellement autre chose, qui sera ce qu’en feront les gens qui l’utiliseront.
Y a-t-il un équivalent du Musée du Quai Branly dans d’autres pays que la France ? La réponse est oui. Je pense à d’autres pays anciens colonisateurs comme la Grande Bretagne, la Hollande ou l’Espagne, ou a contrario à des pays comme les Etats-Unis.
Maureen Murphy : Mes recherches portaient sur une comparaison des situations française et américaine. On parlait de décalage tout à l’heure, mais quand on analyse la situation à New York, ne serait ce que sur la question du nom à donner au musée : « Musée des Arts Premiers », « Musées des Arts et Civilisations »... C’est un débat qui a eu lieu à New York dans les années 60, autour de la création du musée des arts primitifs de Rockefeller où l’on hésitait entre « le Musée des Arts Indigènes » et « le Musée des Arts Primitifs ».
Il y a, certes un décalage au niveau politique et institutionnel entre la France et les Etats-Unis, où l’on est plus ouvert au privé donc aux initiatives. En France, le centralisme étatique sclérose un peu les choses et c’est pourquoi on obtient des réactions un peu brutales, comme la Bibliothèque Nationale de France et le Musée du Quai Branly qui sont des projets présidentiels qui viennent briser le consensus.
Germain Viatte : Je ne suis pas sûr que le modèle d’initiative privée dont vous parlez ait accouché d’institutions culturelles très intéressantes. Ce n’est pas du tout le même type de concept.
- Chaque pièce allant être exposée au Musée du Quai Branly a aujourd’hui un pedigree, c’est-à-dire que l’on sait à peu près d’où viennent ces œuvres. Que ce soit du continent africain, océanien, asiatique... Ma question s’attache surtout à la légitimité du Musée du Quai Branly en tant que tel. Est-ce qu’un jour on s’attachera à rendre ces œuvres à leurs pays d’origines, quand on sait la manière un peu rocambolesque par laquelle elles ont quitté leurs territoires pendant la période de la colonisation ?
Germain Viatte : La question doit être posée mais est-ce que vous avez la réponse ?
- Ma réponse est qu’il faut rendre ces œuvres car elles participent à l’éducation et à la formation du monde. Je pense qu’il est difficile aujourd’hui pour un africain de rentrer en Europe et de visiter un musée. C’est-à-dire que si j’ai un parent qui décide de venir visiter le Musée du Quai Branly, il ne pourra pas parce qu’il n’aura pas de visa. Ce musée est donc réservé à ceux qui vivent ici. En d’autres termes, celui qui vit au Congo ou à Abidjan n’aura pas la chance de voir les pièces qui sont aussi leurs biens.
Germain Viatte : Quand je disais que nous avions la responsabilité de ces objets, je le disais en pensant réellement que ces objets appartiennent à d’autres horizons culturels. Et que leur arrivée a parfois été rocambolesque... Il me semble toutefois que la question de la restitution doit être prise d’un point de vue pragmatique. Nous devons essayer de voir la situation réelle dans laquelle ces musées pourraient se retrouver, de savoir quelle est la formation réelle des personnes qui pourraient s’en charger, et la réponse que j’ai trouvée et qui n’est pas si évidente que cela, c’est de travailler ensemble sur des projets d’expositions réalisées à partir du contenu des collections. C’est un point de vue qui n’est pas une échappatoire, car il faut sortir de ce débat, qui est une sorte de débat historique sur la situation des objets, le colonialisme et le post-colonialisme, pour se trouver devant un problème d’information, de prise de conscience et de capacité de voir les choses. Mais pour que cela fonctionne, il faut que cela soit basé sur une relation multipartite, triangulaire et plus, et que ce soit non seulement la nouvelle disposition des objets illustrant l’origine du lieu, mais aussi l’ouverture que l’on essaie d’établir. Il me semble que l’ouverture est un élément très important dans notre travail et qu’il fait assez souvent défaut dans cette réclamation qui est produite régulièrement.
- Mais des Présidents africains, comme l’ancien président sénégalais Abdou Diouf, ont réclamé la restitution de certaines œuvres qu’il a mentionné comme siennes, c’est-à-dire fruit d’une culture, et d’une patrie à la mémoire souffreteuse du fait d’un patrimoine culturel en fuite. La question aujourd’hui est moins celle de l’héritage mais plus celle des héritiers à qui il manque des objets de connaissance du passé.
Hassan Musa : Il y a deux ans, j’ai assisté à une discussion comme celle-là en Allemagne, en collaboration avec le Musée de Hanovre et le bureau culturel français. Le thème du débat portait sur ce qui devait être fait de ces objets dans les musées européens et donc de la restitution. Ce musée à Hanovre s’est retrouvé avec plus de mille objets pas forcément esthétiques (lances, cuillères, flèches en bois...) dont ils ne savaient pas quoi faire. Jusqu’à ce que quelqu’un ait l’idée d’inviter des artistes contemporains africains pour leur proposer d’intégrer ces objets dans des installations. Le but était de redonner une nouvelle vie à ces objets. Mais le problème est que ces objets n’appartiennent pas aux conservateurs. Leur rôle est de conserver et pas de donner à qui leur semble juste. Rendre ces objets aux Africains quand ils sont réclamés par des cultures, des sociétés, des gouvernements... Alors oui, il faut le faire.
Michel Leiris, dans Afrique Fantôme, raconte comment lui et Marcel Griaule ont volé ces objets aux villageois. Mais le problème de la restitution est le destinataire. A qui faut-il vraiment rendre ? Quand le Pape Jean Paul II s’est rendu à Khartoum il y a quelques années, je me souviens que les autorités islamistes lui ont offert un morceau d’une fresque datant du 13ème siècle. Alors s’il faut rendre aux Africains leurs objets, il faut tout rendre. C’est-à-dire l’argent, le pétrole, l’or et les vies brisées. Il y a deux semaines le PDG de Total Fina disait que le groupe avait réalisé cette année 10 Milliards de profit. Mais il n’a donné que quelques miettes à Africa Remix. Avec un milliard on peut construire, j’en suis sûr, des écoles et des dispensaires dans tous les villages en Afrique. Mais dans ce cas, il faut tout rendre. Pas seulement les objets de musées. Et alors les enjeux deviennent autres...
Nous tenons à remercier très chaleureusement Philippe Dagen, Maureen Murphy, Hassan Musa ainsi que Germain Viatte, pour leur participation à cette conférence et leurs apports à la question du positionnement d’un musée tel que le Musée du Quai Branly au sein du monde occidental.
Cet article a été rédigé à partir d’une conférence publique donnée le jeudi 2 mars 2006, lors du cycle de conférences “ Les jeudis de la Sorbonne ” consacré au thème : « Paris : De la création à la visibilité de l’œuvre » ? Ce cycle de conférences est organisé par l’IUP Métiers des Arts et de la Culture de l’Université Paris 1 Panthéon-Sorbonne.
Cette conférence consacrée au Musée du quai Branly : quelle(s) image(s) pour quel musée ? a été organisée et transcrite par Adeline Bourdillat, Jessica Oublié et Joffrey Priot.

12 juin 2006
Dernière modification le 13 juin 2006 à 17h31