الجمعة، ٥ كانون الثاني ٢٠٠٧

الفنأفريقانية: سحر و بهار و موز5 من النيغريتود إالى " النمرتود"

Négritude & Tigritude


النيغريتود و النمرتود


بهار الزنوجة..داكار 1966
في المهرجان العالمي الأول للفنون الزنجية الذي انعقد في داكار1966
، تم اختزال التعدد الواسع للثقافة الأفريقية لبعدها الزنوجي وحده.و قد لعبت الوضعية الخاصة لـمهندس المهرجان، الشاعر الفرانكوفوني " ليوبولد سيدار سنغور" ، بوصفه أحد أعمدة حركة الزنْوَجَة" نيغريتود" ،و رئيس دولة السنغال، لعبت دورا كبيرا في اكساب التظاهرة طابع المناورة السياسية الفرنسية ضمن ملابسات الصراع على الموارد و مناطق النفوذ في اطار الحرب الباردة في أفريقيا، سيما و أن السنغال كبلد أفريقي حديث الاستقلال(1963) كان(ولا يزال) في حالة اعتماد شبه كامل على فرنسا.(راجع نصي المعنون " من اخترع الافارقة؟" المنشور في قسم التشكيل/ الأبحاث و الدراسات في موقع سودان للجميع دوت أورغ)
و اليوم ، رغم انتفاء شروط الحرب الباردة في أفريقياالا أن مفهوم الزنوجة ما زال نشطا في بيزنيس الفنأفريقانية ، غالبا بفضل عدد متزايد من الفنانين الأمريكان السود المتسمين بـالـ " آفروآميريكان"( لاحظ أن لا أحد يسمي الفنانين الامريكان البيض بالـ " أوروأميريكان").هؤلاء الفنانون الأمريكان المتأفرقون بذريعة الدياسبورا المريحة يتصرفون في فضاء الفن الأفريقي المعاصر كما لو كانت الثقافة الأفريقية ميراثا عرقيا يخصهم دون غيرهم.(وكت أصلها الحكاية جابت ليها ملكية تراث ثقافي فنحن أولى بملكية تراث الثقافات كلها الأوروبية و الآسيوية والهندأمريكية و...الأفريقية كمان . و الماعاجبه يشرب من بحور الشعر العربي).و من عواقب حركة الزنوجة( نيغريتود) الآفروأمريكية أنها جددت شباب حركة الزنوجة الافريقية التي كانت قد ضعفت تحت تأثير حركات" البان أفريكانيزم" و بعض تيارات حركة التحرر الأفريقي( عبد الناصر المصري و كوامي نكروما الغاني،و فرانز فانون المارتنيكي،و المهدي بن بركة المغربي، و أميلكار كابرال الغيني بيساوي ،و أوغستينو نيتو الأنغولي الخ)و هي التيارات الأفريقية التقدمية التي طرحت مفاهيما اجتماعية تتجاوز الأفق العرقي الضيق لحركة الزنوجة.أقول أن حركة الزنوجة الآفروأمريكية تجدد شباب التيار الجمالي العرقي ضمن حركة الفن المعاصر في أفريقيا لأنها- و بذريعة حجة عرقية اعتباطية ـ ترمم و تدعّم أرضا مشتركة لجزء من الفنانين الأفارقة( السود) في افريقيا مع الفنانين( السود) في أمريكا و أوروبا، على زعم أن سواد البشرة مبرر كاف لتأسيس قرابة آيديولوجيةو جمالية تبرر تجميع نتاج الأشخاص سود البشرة في فئة واحدة. في هذا المربط العرقي ينتفع القوم بحجة الدياسبورا السوداء، ضمن شروط العولمة التي تطرح أمام الجميع ـ بدون فرز ـ فرص اعادة تعريف الحدود و الهويات، و تنطرح الدياسبورا السوداء كاطار آيديولوجي قمين باكساب فن السود في كل القارات طبيعة متعولمة تسوّغ لسدنة فن الدياسبورا السوداء أن يفبركوا تنويعا جديدا من " حرب الحضارات " بين الفن الاسود و الفن الأبيض أو/ و الفن الأصفر(الآسيوي) و الأحمر( الهند أمريكي) و الأخضر ( الاسلامي) و مافيش حد أحسن من حد.و في هذا المشهد أرى نفرا من الفنانين المعاصرين في أفريقيا لا يجد غضاضة في اعادة اختراع الفن المعاصر كخصوصية ثقافية أفريقية مُزَنْوجَة و مقطوعة تماما من ما يحدث في فضاء تاريخ الفن و تأثيرات حركة المجتمع المعاصر داخل القارة و خارجها.و سأحاول ـ في أجل قريب ـ افراد براح منفصل لمعالجة عودة ظاهرة الزنوجة في فن الأفارقة المعاصر.و في الانتظار أظن أن أقرب مثال تحت اليد يجسده الفنان الغاني المقيم في نيجيريا "إيل آناتسوي"،و الذي قام ـ في المتحف البريطاني 11 فبراير 2005 ـ بعرض شرائح لأعماله و علق عليها و رد على أسئلة الجمهور.و "الاناتسوي" من بين الفنانين المشاركين في معرض آفريكا ريميكس.

(لمزيد من المعلومات عن "إيل آناتسوي "أنظرموقع أكتوبر غاليري اللندنية التي تخصصت منذ أكثر من عقدين في عرض الفن الأفريقي
www.octobergallery.co.uk/artists/anatsui/index.shtml
و أنظر أيضا
www.camwood.org/pguest1.htm-5k

www.ethnicarts.org/elanatsui
وفي حديثه الذي دام ساعة كاملة سرد "اناتسوي" سيرته الذاتية و شرح تجاربه الفنية دون أن يشير من قريب أو من بعيد للمصادر أو للتأثيرات الوافدة من حركة الفن الأوروبي على عمله.و رغم أن أي مشاهد عارف بأبجديات تاريخ الفن الحديث يملك أن يلمس التأثيرات القوية للقيّات حركة الفن الأوروبي الحديث في عمل" اناتسوي" الا أن الرجل صمت بشكل مريب عن أي اشارة للتيارات التي تركت بصماتها على عمله مثل " ريدي ميد"
Ready Made
الفنان الدادائي الفرنسي " مارسيل دو شان" يالذات حين تحدث عن استحوازه لركام من جذوع الاشجار داخل غابة بمجرد وضع علامة بصرية على كل جذع. أو "تجميعات" بيكاسو النحتية
Assemblage
التي تطبع جزءا كبيرا من أعمال النحت التجميعي التي عرضها
أو لقيات حركة فناني" البوب آرت" الأمريكان و الأوروبيين ، و بالذات في منحوتات الفرنسي " آرمان" " التراكمية"
Sculpture Accumulative
أو استخدام الفنانين الايطاليين للخامات الطبيعية العضوية ضمن تيار" آرتي بوفيرا"
Arte Povera
(الفن الفقير) الذي ازدهر في الستينات و السبعينات

و غير ذلك كثير مما تعامى الاناتسوي عن رؤيته، فكأن فنه ولد بعفوية من فطرة التقليد المحلي الامي ، تقليد فنون الاسلاف الذين لا تشوبهم شائبة ثقافية أوروبية.المشكلة هي أن "اناتسوي" شخص معاصر تعلم الفن الحديث بشكل نظامي،( دبلوم نحت في مدرسة الفنون بجامعة كوماسي 1968)، و هو مثل أغلبنا، تدرب حسب مناهج مدارس الفنون الحديثة التي تعمل وفق برامج تعليم الفنون في أوروبا، " من طقطق للسلام عليكم".و " طقطق" هذه، تبدأ في فنون" ماقبل التاريخ" ثم فنون تاريخ" العصر الانطيقي" و فنون "العصور الوسطى" يليها "عصر النهضة" و" العصر الكلاسيكية" و انتهاءا بـ " السلام عليكم " في " الفن الحديث"، فن حداثة المجتمع الرأسمالي الذي ابتدره الأوروبيون ثم فلت من قبضتهم ـ لحسن حظنا ـ و صارحقا مشاعا مبذولا لمن يستطيع اليه سبيلا (" و لو كان عبدا حبشيا" أو سودانيا أو سنغاليا أو مغربيا أو مصريا أو هنديا أو صينيا أو غيره ) من عبيد حداثة رأس المال على اختلاف القارات والأعراق .فما الذي يجعل"اناتسوي"، المحاضر الجامعي( رئيس شعبة النحت في جامعة نسوكا بنيجيريا) و الفنان المثقف العارف بتاريخ الفن الحديث، ما الذي يجعله يتعامى عن تداخل التأثيرات و المصادر و المراجع الأوروبية مع عمله الفني في فضاء الفن المعاصر؟
حسب " سوء ظني العريض" ـ و قد أسلفت أن الظن الآثم مشروع و مطلوب عند تمحيص أمور الفنأفريقانية ـ أقول: أظن أن " أناتسوي" يتعامى عامدا من باب الاستجابة لمطالب مؤسسات رعاية الفنأفريقانية التي عوّلت تماما (و" قفلت") على فرضية أن الفن الأفريقي المتزنوج هو" صفقة الغد"
The Business of tomorrow
حسب عبارة سمعتها من أحد منظمي المعارض الألمان مؤخرا.

و تعامي " أناتسوي "،و غيره من الفنانين الأفارقة،عن تأثير المصادر الفنية الأوروبية يسوّغ لرعاة الفنأفرقانية أن يبذلوا لقيات الفنانين الافارقة كاكتشافات عبقرية معزولة و غيرمسبوقة.و كلقيّات تمثل نوعا من قفزة نوعية فريدة في تاريخ الفن، شيء في جسامة اختراع العجلة أو النظرية النسبية.و هذا ضلال مقصود ينتفع به رعاة الفنأفريقانية في طرح الفن الأفريقي المعاصر كظاهرة تتطور على قطيعة كاملة مع معطيات العالم المعاصر، كشيء فريد ، نسيج وحده،و كوجه من وجوه السحر الأفريقي الذي لا يطاله منطق التاريخ.و لا عجب ، فان كان الرعاة الأوروبيون ينظرون لأفريقيا ككيان مشاتر مستعص على التاريخ ، فمن باب أولى أن فن الأفارقة الذي يتصورونه ،هو في واد آخر غير ذلك الذي يجري فيه الـ " ماين ستريم آرت"
Mainstream Art
حسب مجرى التعبير الأوروبي عن الفن الرسمي، الفن المنسوب للتقليد الأوروبي.
تقول حكمة الأهالي ( في مثل من اختراعي) "أن الورل الأعور يقدل كما الملك في بلد التماسيح العمايا".بيد أن المشكلة مع الفنانين الأفارقة الذين يسعون لاعادة اختراع العجلة هي أن التماسيح اياها بعيدة عن العمى، بل هي مفتّحة عيونها تقرأ و تشاهد كل ما يجود به تاريخ الفن القديم و الحديث من أفكار و تصاوير في كل ناحية من نواحي الكرة الأرضية.يعني بالعربي: تاريخ الفن مكتوب و موثّق في متناول الجميع ، و ما من لقية تشكيلية أو فكرة جمالية الاّ ووراءها شجرة عائلة بحالها من الفنانين و النقاد الذين ساهموا في دفعها والذين لا تفوت عليهم شاردة أو واردة الا أحصوها. و اليوم ،اذا كان هناك بين الفنانين الأفارقة من يملك الانخراط ـ عن جهل ـ في وهم الفن الأفريقي المتحقق خارج التاريخ، فهو معذور حتى يتعلم، أما ان كان الفنان الأفريقي ينخرط في الأكذوبة الفنأفريقانية عن سبق القصد و الترصد لأنه وجد فيها مصلحة شخصية ضيقة فالرماد كال حمّاد.
أقول قولي هذا و أنا على قناعة من أن فنان جاد من طينة" أناتسوي" يخسر كثيرا من اخفاء مصادره و مراجعه الأوروبية، و هو يخسر موقعه كفنان معاصر ضالع بتاريخه و بهمومه الأفريقية و بكليته الانسانية في حركة الخلق المعاصر مثلما يخسر صفته كشريك كامل الشراكة و كند أصيل ، ضمن رهط الرجال و النساء المهمومين بتغيير العالم بابداعهم في حال حركتهم و في حال سكونهم.ذلك أن حركة الخلق المعاصر لم تكن يوما ناديا خاصا مغلقا على أعضاءه من ذوي الامتياز الأوروبي الموروث،و لن تصبح أبدا "فرض كفاية" يقوم به البعض فيسقط عن الباقين. حركة الخلق المعاصر هي مشروع حياة أو/و موت المساهمة فيه حق مفتوح و واجب مفروض على الجميع.
أكرر:في ما وراء غشاء الفنأفريقانية المضروب على الرجل، فأناتسوي فنان مهم في مشهد حركة الفن المعاصر ، و عمله الابداعي لم يخرج من طيات كم الساحر الأفريقي
الذي يتوسّمه فيه متعهدو الفنأفريقانية ، و انما هو نتيجة تجربة بحثية طويلة و غنية بمعارف تقنية و جمالية تتجاوز حدود الميراث الأفريقي المزعوم.و الروابط الجمالية والمراجع التقنية التي تربط بين مبحث " اناتسوي" النحتي و مباحث الفنانين الأعلام في حركة الفن الحديث، تبدو لي أكثر أهمية من الروابط و المراجع التي قد تربط عمل" اناتسوي" بتقليد فن النحت الغربأفريقي.أن علاقة القربى الجمالية بين عمل" اناتسوي" و تقليد النحت الأوروبي الحديث انما تنطرح كأمر بديهي يستحيل تمويهه على هواة النحت،ناهيك عن الجور الواقع على الفنان من جراء غمط اضافته الأصيلة لحركة النحت المعاصر.
ان التأكيد على المراجع و التأثيرات الجمالية الأوروبية في عمل "أناتسوي" انما يكشف عن حيوية الحداثة الثقافية الأفريقية التي خرج من تلافيفها رجل كـ "أناتسوي"، فنان واسع الحيلة و قمين بامتصاص تجارب الآخرين و تقاليدهم و تمثلها و اعادة انتاجها في شكل آثار فنية على فرادة ابداعية كبيرة.
أقفل قوس الاستدراك في شأن "أناتسوي" هنا ، على أمل العودة ـ ضمن براح آجل ـ لموضوع الفنأفريقانية كعقبة كأداء أمام تفتح الفنانين الأفارقة في مشهد الفن المعاصر.


و بُهار الاستنمار..لاغوس 1976

مهرجان الثقافة الأفريقية( فيستاك)
FESTAC
، الذي نظمته السلطات النيجيرية في لاغوس عام 1976 ، كان مناسبة طيبة للتعبير عن الروح الـ " كل أفريقاني"
Panafricanism
الذي انتظم المجتمعات الأفريقية في سنوات ما بعد" الاستقلالات" الأفريقية. و أهمية مهرجان " فيستاك" النيجيري تأتي من كونه تم ضمن ظروف جيوبوليتيكية بالغة التركيب، و بالذات بعد " مهرجان الثقافة الكل أفريقية"(بان أفريكانيزم) 1969 الذي نظمته دولة الجزائر حديثة الاستقلال، و التي بدأت تتحرك دوليا، على وعي جيوبوليتيكيي بتداخل أدوارها العربية و الأفريقية،ضمن منظومة مجتمعات العالم الثالث المعادية للامبريالية.و قد شدد الجزائريون على البعد ال" كل أفريقاني" كنوع من اشارة معارضة لـ " المهرجان العالمي للفنون الزنجية و السوداء" الذي نظمه السنغال بتوجيه فرنسي ظاهر كتظاهرة تخص ثقافات الافارقة السود.و لم يقتصر توجه مهرجان الجزائر على نقد سدنة حركة الزنوجة " نيغريتود" باعتبارهم ممثلين لايديولوجيا عرقية و نيوكولونيالية، كما عبّر بقوة ، على منصة منتدى المهرجان، سياسيون أفارقة من وزن الرئيس " سيكوتوري" ،المعروف بمعارضته للهيمنة النيوكولونيالية لفرنسا في بلدان غرب أفريقيا الناطقة بالفرنسية،و الذي وجد في الجزائر المستقلة سندا معنويا و مخرجا من العزلة السياسية الاقليمية التي ضربتها فرنسا على مالي. وجاراه و تضامن معه، مثقفون أفارقة كـالفيلسوف "ستانيسلاس أدوتوفي" الذي يعتبر من أهم نقّاد حركة الزنوجة " نيغريتود".و يمكن القول أن توجّه المهرجان تجاوز أقاليم الفن و الادب ليجعل من التظاهرة الثقافية ملتقى خصيبا للثوريين و قادة حركات التحرر من البلدان الأفريقية و غير الأفريقية. ففي هذا المهرجان التقى ممثلون لحركات التحرر في البلدان الأفريقية التي كانت ما تزال ترزح تحت نير الاستعمار كـ " غينيا بيساو " ( أميلكار كابرال) و " أنجولا" ( أوغستينو نيتو) وممثلين لـ "حزب المؤتمر الوطني الأفريقي"( آفريكان ناشيونال كونغرس) الذين كانوا يخوضون نضالهم ضد نظام" الأبارتايد" في جنوب أفريقيا.بل أن الحضور التحرري المعارض للامبريالية شمل حتى ممثلين من حركة " الفهود السود" الأمريكية التي حملت السلاح ضد السلطات العنصرية البيضاء في الولايات المتحدة و وجد بعض قادتها اللجوء السياسي في الجزائر( ستوكلي كارمايكل).
كل هذه الملابسات التي صاحبت مهرجان الجزائر كان لا بد لها من أن تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على التصوّر الذي عرّفه النيجيريون لمهرجان 1976 .و قد ترتب على تنظيم النيجيريين لمهرجان الثقافة الأفريقية انفجار أزمة دبلوماسية و مفهومية بين نيجيريا و السنغال.ذلك أن النيجيريين انطلقوا من واقع التعدد العرقي و الثقافي لأهل القارة في تعريف الثقافة الأفريقية كشأن يخص كل أهل القارة، بما فيهم عرب شمال أفريقيا. لكن السلطات السنغالية ، التي كانت قد صمّمت المهرجان الأول للثقافة الأفريقية بالتأكيد على صفات السواد و الزنوجة ، اعتبرت أن النيجيريين قد خانوا مبادئ الثقافة الأفريقية كما طرحها مهرجان داكار في 1966.و في الحقيقة كان النزاع المفهومي حول تعريف الثقافة الأفريقية يموّه أزمة سياسيا عميقة بين نيجيريا و السنغال.فأثناء الحرب الأهلية النيجيرية بين الحكومة المركزية و الانفصاليين في" بيافرا"، كانت فرنسا تدعم انفصاليي بيافرا، من خلال حلفاءها الاقليميين في غرب أفريقيا( السنغال و ساحل العاج)، و ذلك على أمل وضع يدها على الثروة البترولية الوفيرة في بيافرا.و من الجهة الأخرى وجدت نيجيريا سندا سياسيا و عسكريا من بريطانيا و العالم الأنغلوساكسوني و بعض الدول الافريقية التي تضامنت مع النيجيريين باسم ال" كل أفريقانية" بما مكن السلطات المركزية من سحق الانفصاليين و تأمين أقليم البترول و صيانة الوحدة الوطنية.
(أنظر ف. إكس. فيرشاف " لا فرانس آفريك") .
و رغم أن نقد حركة الـ " نيغريتود"، أصبح ، ضمن تلك الملابسات ، أدبا شائعا مباحا بين الأفارقة، الا أن ذلك النقد بقي نقدا سياسيا يدحض " النيغريتود" كنوع من مناورة سياسية تتذرع بذرائع الادب الأفريقي و الفن الافريقي لخدمة الأجندة السرية للنيوكولونيالية. و لم يترتب علي نقد الـ " نيغريتود" عمليا أية تحولات نوعية مهمة على صعيد النتاج الابداعي للفنانين و الادباء الافارقة . ذلك أن جل الفنانين و الادباء الافارقة ظلوا مقيمين على احتفاءهم الفيتيشي بالروح الافريقي المتميز، الذي يفترض أنه يكسب ابداع الافارقة خصوصيته و أصالته بين أبداعات الامم الاخرى ،و يبرر الأدب الافريقي و الفن الافريقي كتصانيف مميزة لا يمكن أن تصدر الا عن " طبيعة أفريقية"..فكأننا و الماء من حولنا قوم جلوس حولها الماء.و لعل أفضل مثال على هذه الوضعية الفنأفريقانية العجيبة يتلخص في القولة الشهيرة التي أطلقها الكاتب النيجيري الـ " كل أفريقاني " المعروف " وول سوينكا". يوم قال مستشهدا بمثل أفريقي مزعوم :" أن النمر لا يحتاج أن يصرخ معلنا عن هويته ليعرّف الأخرين بأنه النمر، فحسبه انه ينقض على فريسته"، و هي قولة تأيقنت ـ في معني انمسخت أيقونة ـ بفعل الاقتطافات المتكررة وصار نقاد حركة" النيغريتود" ينتقعون بها كما التميمة لابطال مفعول الايقونات العرقية المضادة في ساحة حرب الهويولوجيا المعاصرة.و كلمة " سوينكا" مهمة كونها تنقل المناقشة في موضوعة الهوية الأفريقية من مشهد الافريقي الواقف موقف الضحية،و الذي يستجدي الآخرين أن يعترفوا بهويته الافريقية المصادرة، الى مشهد الافريقي " العارف عزّه"و " مستريح" في أفريقيته الطبيعية المودعة في دخيلته بشكل فطري لا سبيل لمصادرته أو نفيه. و رغما عن أن هذا الموقف ،موقف الافريقي الواثق من هويته. الأفريقي الذي يكون هويته الافريقية كما يكون الحيوان هويته الحيوانية، هو بلا شك أكثر أناقة و أكبر كفاءة من موقف المطالبة و الصياح أمام الجهات التي لم و لن تأبه بالأفارقة يوما، الا أن قولة الأديب النيجيري ضايقتني ، و ما زالت ، منذ أول مرة قرأتها فيها.أولا لأن النمر حيوان آسيوي لا مكان له في السافانا الأفريقية ، و أظن أن المثل المشهود صيني المصدر.
ترى هل كان الامر سيستقيم لو كان " شنوا آشيبي " مسخ النمر أسدا ؟ مندري .. لكن كون " شنوا آشيبي"، بسبيل الدفاع عن الأصالة الثقافية الافريقية، يضطر لطلب حججه " و لو في الصين "، فهذا الموقف يفسد عليه الاناقة البادية في مقولة الأصالة الثقافية الافريقية التي تبني حكمتها على صورة الحيوانات المستوردة من ثقافات أجنبية. لكن" دا كلُّه كوم.." و حكاية الانقضاض الفوري على الفريسة دي "كوم تاني" .ذلك أنها تلخص الأفريقي ككائن يتصرف وفق نوع من غريزة حيوانية طبيعية مودعة في دخيلته،و سلوكه فطري لا يعرف التحسّب و الرويّة العقلانية التي تسبق الفعل.و هكذا يرسم " شنوا آشيبي" للشخص الافريقي مصيرا سلوكيا يرده الى مصاف الحيوان. و هو مصير تعس حتى و لو كان الحيوان المصطفى في نبل النمر و في جماله. يبدو أن الكاتب النيجيري الكبير، الحائز على جائزة" نوبل" للآداب ـ و بذريعة أفريقيا كمان ـ يستكثر على الانسان الافريقي شرط الانسان ككائن خلاق سلاحه خياله.شرط " ود ابن آدم الغلّب الهدّاي"، كما عبرت شاعرة كردفانية مجهولة، في مدح القائد المهدوي " محمود ود أحمد".قالوا أن الشاعرة " الحكامة" بدأت قصيدتها في مدح " محمود ود أحمد" عقب سلسلة من الشعراء الذين وصفوا محمود بالدود و الباحش و الفيل والجاموس " تور الخلا الرّغاي" الخ.فأتت هي بالقول الفصل في طبيعة " ود ابن آدم" ككائن فريد لا يقبل المقارنة مع أصناف الحيوان و لا حتى مع أصناف الانسان الاخرى.
لقد أراد الكاتب النيجيري الكبير انقاذ الافارقة من مصير الأكل على بهار الزنوجة
" نيغريتود" ،فبهّرهم ببهار جديد اسميه بهار الاستنمار " تيغريتود"
و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
و سأحاول في السطور القادمة التأني عند بهار قديم آخر جدّده الرعاة الاوروبيون و نثروه علينا في واحدة من محاولاتهم الشتراء التي لا تنتهي حتى تبدأ من جديد و هكذا " دواليبك".
...........

النور يا أخانا الذي في الولايات
و ما الزنافلة؟
الزنافلة
هذه و الله واحدة من الكلمات السحريات التي لا تني تلهمني صورا عجيبة متغيرة لقوم خرافيين نجوا من إرم ذات العماد و جابوا الصخر بالواد وقاموا و سافروا و تاهوا و استرزقوا في جيش قمبيز الذي أشيع أنه نفق في الصحراء، و نفد منه فصيل من رماة المقاليع الزنافلة من مسارب الصحراء السرية الى سهل الجزيرة ( في غفلة من صاحب" بندر شاه") و تناسلوا وتكاثروا حتى احتلوا الخاطر و استعمروه تماما في حكاية خالك المشهودة ، و أنا ما زلت في حيرة من أمرهم.أذكر أنني فتحت قاموس اللهجة العامية في السودان فوجدت عون الشريف قاسم يعرفهم بكونهم " فرع من رفاعة" ،فأدركني احباط عظيم، فبمثل هذا الاسم الاسطوري لا بد أن للزنافلة حكاية أطول من مجرد احالتهم هكذا لـ " رفاعة "..
و ما رفاعة حتى يحال اليهاهؤلاء الزنافلة الأماجد ؟؟
النور يا أخانا
الذاكرة كما ترى انتقائية و آيديولوجية و خائنة وو براغماتية ومغرضة غرضا يتجاوز الارادة الواعية و لن تنفع معها الا مكيدة كبيرة، و مازلت أطمع في أن تبرنا ببقية تلك الابيات الشعرية المدهشة التي حفظتها لك ذاكرة بولا من أيام الطلب، و أحلتها أنت ل" شغل الشباب" كما قال" شاعرنا" و هو يتملص من تبعات "أمتي".المهم يازول ، نحن كلنا على ثقة من ان " البعشوم مابوالف" و للكلام صلة ، و قيل صلات، فصبرك يا صاح ، و سلام.
حسن