شقاق التصاوير الأفريقانية
ألف شكر لنجاة على تكرمها بترجمة نص فيليب داجان، ناقد" لوموند"،في موضوع صورتي المعروضة في معرض "أفريكا ريميكس" وألف شكر أخرى للصحاب حافظ خير و الوليد يوسف على مداخلاتهم الذكية كونها تهيء الفرصة للخوض في حديث التصاوير ضمن مشهد" الفنأفريقانية" السائدةفي رؤية الأوروبيين لفنون غيرهم.
و ما أدراك ما" الفنأفريقانية"؟
أعني بـ"الفنأفريقانية" ذلك الضرب من الفن الأفريقي المعاصر الذي ينتجه الفنانون الأفارقة لعناية الأوروبيين على زعم جمالي جائر فحواه وحدة وديمومة التكوين الثقافي و النفسي و الجمالي لأهل القارة مما يؤهلهم لانتاج تصانيف فنية منسجمة و متميّزة على غيرهابأفريقيتها.
و فوق ذلك فالفنأفريقانية هي أيضا مكيدة سياسية غرضها اقصاء غير الأوروبيين ، بما فيهم الأفارقة، من شراكة المنتفعين بنتاج الخيرات المادية و الروحية للعالم المعاصر.و ضمن" حرب الثقافات العرقية" المتنكرة وراء "حوار الثقافات" تصبح الفنأفريقانية من أكثر ألات الحرب كفاءة في يدالعنصريين القابضين على مقدّرات العباد. في هذا التعريف المختصر المبذول أعلاه أسوّغ لنفسي ادراج ممارسات من خارج اقليم التشكيل( من الأدب و الدراما و الموسيقى لغاية الفلسفة و الفكر السياسي)في خانة الفنأفريقانية.و أكتفي في هذه العجالة بهذا الجزء من تعريف الفنأفريقانية وأدعو الأخ وليد يوسف لمراجعة نصي المعنون " من اخترع الأفارقة؟" المنشور تحت ترويسة "فن تشكيلي" من موقع" سودان للجميع"و فيه محاولةـ لم تكتمل بعد ـ لتحليل مفهوم الفنأفريقانية من واقع الممارسات الراهنة في مشهد الفن المعاصر، و قبل أن أخوض في تفاصيل صورتي يهمني التذكير بأن الكلام في صدد التصاوير لا يكتل غزال كون التصاوير تبذل للبصر و تدرك بوسيلةالبصر. ومنفعة الأدب المبذول شفاهة أو كتابةعلى هامش التصاوير انماتكون في تهيئة البصائر وتأطيررالصور على طموح تجنيب الناظر مزالق سوء الفهم وأنواع الخروج على موضوع الصورة و هيهات هيهات ثم هيهات، و لا تنس اخواتهاو أخوانهاايهات و أيهان و هيهان، و" حوا والدة" شعوبا و قبائل من ابطال التخريم و الخروج و الدخول مجانافي مايعرفون و ما لا يعرفون.
أعود لموضوع "العارية الأمريكية الكبيرة"، صورتي التي تمثل أيقونة" بن لادن" على عارية"بوشيه" الشهيرة.أقول " العارية" بصيغة التأنيث لأن العنوان يرجع لسلسلةلوحات فنان البوب أرت الأمريكي" توم ويسيلمان "، و هي مجموعة تقارب المئة أو تزيد عليها، تمثل عاريات أمريكيات جلهن من اناث التصاوير الدعائية التجارية.و أقول " ايقونة بن لادن" لان مشروعي التشكيلي مشغول بتقصي تعبيرات الظاهرة الأيقونية في الثقافة المعاصرة.و هو مبحث كان لفناني حركة ال "بوب آرت" الأمريكية نصيب الأسد في تطويره بماأثّر في مشهد حركة الخلق التشكيلي بشكل جذري.و ستلزمني عودة لرهط فناني الـ " بوب أرت" في مقام غير هذا.و أستعير من مولانا "آندي وارهول"،" بابا" الفن المعاصر،مفهومه للأيقونة الذي قصم ظهر البعير و" شنقل ريكة" التصاويرالبصرية و الأدبية الموروثة من القرن التاسع عشر
أعني بعبارة الأيقونة- على هدي" آندي وارهول"- كل صورة تمثل،على اطلاق فعل التمثيل،و تستغني بالتمثيل عن الأصل الذي كان مبرر وجودها.ذلك أن قدر كل صورة في التحليل النهائي هو تشق طريقهابعيدا عن أصلها لتصبح أصلا جديدا قمينا بالتمخض عن صورةجديدة أخرى.و في هذا المشهد سوغت لنفسي أن أعالج أيقونة بن لادن كما سوغت لها معالجة أيقونات تاريخ الفن الأوروبي التي استرعت انتباهي و أناأتأمل في صورةالوجود.
و ما أدراك ما صورةالوجود؟(مندري)أقول ان صورة الوجود غابة من التصاوير الجامحة العامرة بالاشتباهات مما جميعه.و في غابة التصاوير شرع واحد معروف هو"شرع الغاب"، و عليه تسعى الصور القوية لافتراس الصور الضعيفةكمسلك طبيعي كما تسعى الذئاب لافتراس النعاج والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.فيوم هجم الاستعمارعلينا في نهاية القرن التاسع عشرفهو لم يكفيه افتراس لحمناوشرب دمنابل أعمل فينا ألة التصاويرالرأسماليةالفتاكة فصادرت مناتصاوير ثقافة المجتمع قبل الرأسمالي و حظرت عليناالانتفاع بتصاوير ثقافة السوق الرأسمالي بذريعة جهنمية مضمونها أن " الشرق شرق و الغرب غرب "الخ ..و من يومهاو نحن عراة"امفكّو"نبحث عن طريق ثالث مستحيل بين الماضي و المضارع. في هذا المشهدأسعى لأخذ حقي في الميراث الانساني من تصاوير الوجود مثلماأسعـى لأخذ نصيبي من غنائم حرب التصاوير المعاصرة و مافي زول طالبني قرش.
قبل سنوات عرضت مجموعة من تصاويري تعتمد على ايقونات بعض القديسين النصارى كسان جورج و سان سباستيان و صلب المسيح. و قد أثار الأمر فضول صديق فرنس نصراني فسألني:
ـ مسيو موسى انت مسلم؟
فأجبته بـ " نعم"و لم يتمالك صاحبي فعاجلني بسؤال جديد:
ـو لماذا تهتم بتصاوير النصارى؟
فأجبته" و من قال لك ان هذه التصاوير هي ملك حكر للنصارى؟" فتعجب من ردي أشد العجب و لو شئت قلت:"فبهت الذي كفر"كونه من نسل قوم صورة الوجود في خاطرهم مازالت تقوم على تصانيف أسطوريةمن شاكلةالغرب و الشرق والشمال و الجنوب و المسلم و المسيحي الخ.
قالوا أن بعض أصدقاء الكاتب الجزائري الفرانكوفوني "كاتب ياسين" ،من الوطنيين الجزائريين، سألوه:
ـ لماذاتكتب في لغةالمستعمرين؟
فكان رد كاتب ياسين:
ـ اللغة الفرنسية غنيمة حرب.
هذه الفكرة الجبارة، فكرة اقتسام لغة المستعمر كغنيمة بين الغالب و المغلوب،تسلط الضوءعلى واقع ارتباك الحضارات و اشتباهات التداخل الثقافيي في مشهد الهيمنة الاستعمارية و تدحض مقولات متعهدي حرب الحضارات وعملاء الامبريالية من كبلنغ لهنتنتون.و لو اهتدينا بفكرة كاتب ياسين و تمادينا في منطقه ـ و أنا أتمادى ـ"و من تهادى تمادى و لو الحرب دائرة"،فيمكنني القول بأن مجمل التقليد الثقافي الأوروبي هو غنيمة حرب.و في هذا الافق أصبح أناسليل المستضعفين في الأرض شريك شرعي في مجمل ميراث الثقافة الانسانيةبما في ذلك أطرافه المتحققة خارج التقليد الثقافي الأوروبي.آقول هذا و أنا عارف أن مطالبتي التاريخيةانما تنطوي على مسؤولية كبيرة تقتضي مني انتباها نقديا لطبيعةما ينوبني من المادة الموروثة من الأسلاف المجاهيل ذوي البأس الذين لم يكن يخطر ببالهم أن الحفاة العراة من شاكلتي يمكن أن يكونوا يوما بين ورثتهم.و الانتباه النقدي لطبيعة الميراث أمر لا مناص منه في مواريث الانسانية التي يختلط فيها الطيب و الخبيث.ذلك أن ميراث الانسانية لا ينطوي على محصلات العلوم و الآداب و الفنون فحسب، ميراث الانسانية عامر بأنواع الاستعباد و الاستبعادو أنواع القهر و التقتيل التي لا تخطر الا على بال البشر.و كم الاشتباهات المركبة اللاحقة بميراث الانسانية بين الطيب و الخبيث يحفزني على التروي و التمحيص قبيل كل اختيار.و أظن أن مجمل حيل وجودي الواعي في العالم انما تتوجه نحو دعم خيارات الحياة ضد خيارات الموت و هيهات(تاني؟)، ذلك أن معاني الحياة و معاني الموت انما تقيم بين اشتباهات الطيب و الخبيث في مواريث "ود ابن آدم الغلّب الهدّاي"،و ضمن هذا الأفق أعتبر تصاويري كمحاولةنقدية شخصيةلتآسيس خيار حياة.و لو أخذت مثال صورة بن لادن فهذه الصورة" تأيقنت" بجاه البروباغاندا الامبريالية و استقلت عن وظيفتها الدلالية الأولى و انمسخت نوعا من وحش ايقوني كاسر يهجم علينا كلما أضأنا شاشة التليفزيون ليصادر منا حقنا في ميراث التقليد الثقافي الأوروبي مثلما يصادر تداخل الثقافات و اشتباهات العوالم، بل هو يصادر كل نسخة من الدين الاسلامي لا تطابق نسخته الشخصية، و قد يبالغ فيصادر مناحتى خطابناالتاريخي في نقد الامبريالية، هذا "البلاي بوي" المدهن الذي اكتشف أن اسرائيل صنيعة الامبريالية الأمريكية بعد أن أطلق أصدقاءه السابقين المارينز في أثره في افغانستان، ليس سوى فزاعة " همبول" في يد خبراء البروباغاندا الامبريالية المعاصرة، و بصفته الايقونية الراهنةفهو يتغول على كل فضاءاتي الحيوية العامة و الخاصة بحيث أراه حتى حين أغمض عيني لتجنبه,فما العمل؟لا عمل سوى أن أفتح عيني و امعن النظر في هذه الايقونة الفاضحة و اكشف فحش عريهاالامبريالي لكافة المتأذين من مشاهدتهاأينما كانوا.أذا كان سدنة راس المال المتعولم يتسلون برجمنا بايقونات البروباغاندا البائدة فاضعف الايمان هو أن نرداليهم بضاعتهم صورة بصورة و عينا بعين و سنا بسن.
الأعزاء نجاة و حافظ و الوليد، حديث ارتباك العوالم وايقونات الثقافة المعاصرة ذو شجون و لا بد أنناسنعود له بتأن لاحقا., يا وليد أنا جاييك تاني في معاني الـ " ريميكس" الافريقاني
فهذه فولة تشغلني منذ زمن.
مودتي
حسن موسى
11ـ6ـ2005